"أولاد احماد موسى".. فولكلور بنكهة الزهد والرياضة في مهرجان الفنون الشعبية

رشيد قبول/ ت: محمد العدلاني الأحد 06 يوليو 2025


من قلب الساحة الواسعة لقصر الباهية بمراكش، حيث التقت ألوان المغرب الفلكلورية في الدورة الرابعة والخمسين من المهرجان الوطني للفنون الشعبية، خطفت فرقة "أولاد احماد موسى" الأنظار وهي تؤدي فقراتها التي بدت على خشبة العرض أشبه برياضة جمباز روحية مستوحاة من أعماق الزهد والتصوف الشعبي.

جسد يرقص.. وقلب يتعبد

لم تكن حركات أعضاء الفرقة مجرّد استعراضات عضلية أو خطوات راقصة عادية. لقد تحوّلت أجسادهم إلى أدوات خشوع، تتلو بإيقاع متسارع أناشيد الجسد في تماهٍ كامل مع دفوفهم ونداءات الذاكرة الصوفية. إذ تتقافز الأجساد إلى الأعلى، وتتلوى على الأرض، وتستدير في حركات دائرية عنيفة، أحياناً، لكنها مضبوطة الإيقاع والتوجه، وكأنها طقوس تطهير لا مجرّد عرض تراثي.

هذه الفقرة التي تحاكي في بنيتها حركات الجمباز والمشي على الأيدي والانقلاب الهوائي، هي تعبير فني شعبي ضارب في عمق الجنوب المغربي، ومرتبط بشكل وثيق بما يُعرف بزاوية "أولاد سيدي احماد وموسى"، وهي إحدى أعرق الزوايا المغربية ذات الطابع الصوفي، والتي عرفت بإنتاجها لفرق فنية تجمع بين التعبير الجسدي والديني.

من التصوف إلى الاستعراض

يرى بعض الباحثين في التراث أن "أصول هذه الفرقة تعود إلى الزاوية المنسوبة للولي الصالح سيدي احماد وموسى، الذي عاش في القرن السادس عشر الميلادي بمنطقة تافيلالت حسب بعض الروايات، وارتبط اسمه بالكرامات والخوارق، ما جعله يحظى بمكانة روحية كبيرة في المخيال الجماعي المغربي، خاصة في الجنوب الشرقي".

ويُقال إن "أولاده" –وهم في الحقيقة أتباع طريقته– كانوا معروفين ب"ممارسات جسدية شديدة الانضباط ترمز إلى القدرة على ترويض النفس والجسد". ومع مرور الزمن، تحوّلت هذه الممارسات إلى طقوس احتفالية ترافق الأعراس والمواسم، وانتقلت إلى مستوى الأداء المسرحي في المهرجانات.

تجذر الشعبي

ما يميّز عروض "أولاد احماد موسى" ليس فقط بعدها الجسدي المثير، وإنما الدلالات العميقة التي تحملها. فحين يقفز أحد أعضاء الفرقة فوق آخرين، أو يسير على يديه، أو يثبت جسده في وضعيات شبه مستحيلة، فهو بذلك يُظهر رمزية القدرة على التحدي والتحكم في الذات، وهي قيم جوهرية في الثقافة الصوفية.

كما تعكس هذه الحركات نوعا من القوة الروحية التي يتعين على "المريد" امتلاكها ليترقّى في مراتب الطريقة، ويُصبح أهلا للوصول إلى مقام "الولي الصالح". أما اللباس الموحد والخطوات المتناغمة، فتعكس وحدة الجماعة وانسجامها، حيث لا مكان للفردانية في حضرة الجماعة الروحية.

حضور مبهر بمراكش

خلال مشاركتهم في مهرجان الفنون الشعبية بمراكش، لم تكن فرقة "أولاد احماد موسى" مجرد ضيف آخر على المنصة. لقد كانوا بمثابة جسر يربط الحاضر بتراث روحي غني، ونافذة تطل منها الأجيال الجديدة على تاريخ من التصوف الشعبي الذي زاوج بين العبادة والاستعراض، وبين الزهد والقوة الجسدية.

وبين تصفيقات الجمهور وإعجابه، ظل أعضاء الفرقة محافظين على نظرات خاشعة، كأنهم يؤدون صلاة لا عرضا، ويعيدون من خلال كل قفزة أو دوران، إحياء ذاكرة الزاوية وتاريخها الممتد عبر قرون.

بحضورها اللافت في مهرجان، تؤكد فرقة "أولاد احماد موسى" أن الفن الشعبي ليس فقط وسيلة للترفيه، بل هو أيضا أداة للحفاظ على الإرث الروحي والثقافي، لربط الأجيال بجذورها العميقة، حيث يتقاطع الدين والفن، والتربية الجسدية بالتزكية الروحية.