مع اقتراب الانتخابات التشريعية، تشهد الساحة السياسية الوطنية تحركات غير معهودة، يسودها نوع من الغموض و التخبط الناتج عن موجة حزبية باتت تفرض إيقاعها على المشهد.
ففي الوقت الذي لم تعد فيه الحدود بين الأحزاب واضحة، تشهد بعضها، خاصة تلك المنتمية للأغلبية الحكومية كالتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، حالة استنفار لاستقطاب أسماء وازنة من خارج صفوفها، بما في ذلك من داخل نفس التحالف، حيث يجري الحديث عن لقاءات تدور في الظل، وتطرح فيها وعود ثقيلة: مواقع متقدمة، دعم مالي، وتسهيلات لا تمنح عادة إلا لمن قرر خوض المعركة بلون جديد.
هذه الحركة غير المعلنة رسميا خلفت ارتباكا وتصدعات داخلية في عدد من الأحزاب التي وجدت نفسها تفقد أسماء و وجوها كانت، حتى وقت قريب، تعد من ركائزها، ما أدى إلى توترات وتبادل للاتهامات بين من يرى في الأمر خيانة، ومن يبرره بـ"الحرية السياسية".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
و لا تقتصر الأصوات المنتقدة على المعنيين مباشرة، بل تشمل فاعلين سياسيين ومدنيين يرون في ما يحدث ضربا لمفهوم الالتزام، وانتصاراً لمبدأ "الكرسي أولا"، على حساب البرامج والأفكار.
في ظل هذا المشهد المضطرب، تتوالى القراءات: بين من يعتبر ما يجري محاولة مدروسة لحسم نتائج الانتخابات قبل بدايتها، عن طريق انتزاع الأسماء القوية من مواقعها الأصلية ودفعها لخوض السباق من مواقع أكثر نفوذا، وبين من يرى في الظاهرة مؤشرا على إفلاس القنوات الحزبية التقليدية، وفشلها في خلق انتماء فعلي لدى مرشحيها.
من جانب آخر، لا تتردد بعض الأحزاب في الدفاع عن هذه الممارسات، بدعوى أنها تسعى لتجديد دمائها واستقطاب الفاعلين الميدانيين الأكثر تأثيرا، وهي التبريرات التي وأن كانت تبدو منطقية في ظاهرها، إلا أنها تصطدم بواقع قانوني هش، يترك الباب مفتوحا أمام كل أشكال الترحال، دون قيد أو شرط، ودون أي مساءلة حقيقية حول دوافع هذا التحول المفاجئ في الانتماء.
وفي انتظار يوم الاقتراع، تظل إذن كل السيناريوهات والاحتمالات واردة، ليظل الأمر الوحيد المؤكد حتى الآن أن الحملة الانتخابية بدأت فعليا في كواليس تزداد فيها الأدوار غموضا والمصالح تشابكا في لعبة سياسية، لا يحترم فيها البعض القواعد بل يعمد لتغييرها أثناء اللعب.