خلية الأشقاء الثلاثة.. من هم؟ كيف تجندوا؟ وماذا كانوا يستهدفون؟ .. المكتب المركزي للأبحاث القضائية يطلع الرأي العام على تفاصيل التهديد الإرهابي الذي كان يستهدف المغرب

الرباط: محمد أبو يهدة الخميس 30 يناير 2025

سلط المكتب المركزي للأبحاث القضائية (البسيج) الضوء على خلية حد السوالم الإرهابية التي تم تفكيكها مؤخرا وذلك خلال ندوة صحافية ترأسها مدير المكتب السيد حبوب الشرقاوي وسيرها الناطق الرسمي باسم المديرية بوبكر سبيك وبحضور عدد من أطر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني.

وأكد مدير البسيج أنه حسب نتائج التحريات المتوصل إليها إلى غاية هذه المرحلة من البحث، فإن عناصر هذه الخلية الإرهابية وهم أربعة متطرفين، من ضمنهم ثلاثة أشقاء، كانوا قد وثقوا "بيعتهم" المزعومة لتنظيم داعش في تسجيل فيديو، كما وثقوا أيضا -وبشكل مسبق-"إعلان مسؤوليتهم" عن المخططات الإرهابية التي كانوا يعتزمون تنفيذها في المستقبل القريب، وذلك على أساس نشر "إعلان تبني المسؤولية" مباشرة بعد التنفيذ المادي لتلك المشاريع الإرهابية.

وكشف حبوب الشرقاوي أن هذه الخلية المتطرفة كانت قد بلغت مرحلة متقدمة من التحضير والإعداد لتنفيذ مخططاتها الإرهابية، خصوصا وأن عناصر هذه الخلية قاموا بتصوير العديد من الأهداف المحتملة، كما قاموا أيضا برسم تصاميم تقريبية للمسالك والمسارات المؤدية لبعض تلك الأهداف، وممرات الهروب المرتقبة، والتي كان يعتزمون الاسترشاد بها خلال عمليات التنفيذ ومحاولة الهروب من مكان التفجير.

السمات الأساسية لعناصر الخلية

بلغ عدد الموقوفين في هذه الخلية الإرهابية لحد السوالم، إلى غاية هذه المرحلة من البحث، أربعة مشتبه فيهم، وهم على التوالي ثلاثة أشقاء وشخص رابع، ويبلغون من العمر 26 و30 و31 و35 سنة.

ويتشارك الأشخاص الموقوفون في معطى أساسي وهو تدني مستواهم الدراسي، الذي لا يتجاوز المستوى السادس ابتدائي بالنسبة للأشقاء الثلاثة، بينما تابع المشتبه فيه الرابع دراسته الثانوية إلى حدود مستوى الباكالوريا.

أما بالنسبة للوضعية الاجتماعية لعناصر هذه الخلية الإرهابية، فاثنين منهم فقط متزوجان ولهم أبناء، بينما تتشابه وضعياتهم المهنية في مزاولتهم لمهن وحرف متواضعة وعرضية، باستثناء شخص واحد انقطع مؤخرا عن مزاولة أي نشاط مدر للربح.

الاستقطاب الأسري.. تحد إرهابي جديد

كشف المكتب المركزي للأبحاث القضائية النقاب عن تطور في عملية التجنيد والاستقطاب فبعد الذئاب المنفردة والتطرف السريع، مر التنظيم الارهابي إلى مرحلة الاستقطاب الأسر التي تظهر خطورة خلية "الأشقاء الثلاثة" والتي لا تكمن فقط في المشاريع الإرهابية التي كانت تعتزم تنفيذها، ولا في المستوى المتقدم من التخطيط والاستعداد الذي بلغه أعضاؤها في مخططهم الإرهابي، وإنما تكمن الخطورة في تنامي "الاستقطاب الأسري" كرافد جارف للتطرف والتجنيد في صفوف المرشحين للقيام بعمليات إرهابية.

هذا التطور يظهر تصاعد التهديد لناشئ، وينذر بتحديات أمنية واجتماعية خطيرة، يتمثل في خطر انزلاق أسر بأكملها في شراك التطرف الفكري، وتشكيل جيوب مقاومة للأعراف والتقاليد المغربية ووحدة المجتمع والمذهب والعقيدة، وذلك بسبب التأثير الذي قد يمارسه بعض أفراد الأسرة الحاملين للفكر المتطرف على محيطهم الأسري والاجتماعي.

وقد استطاع الأمير المزعوم لهذه الخلية الإرهابية، وهو الشقيق الأكبر، تحويل أسرته الصغيرة كحاضنة للتطرف والتجنيد والاستقطاب لفائدة مشروعه الإرهابي، مستغلا في ذلك سلطته المعنوية وقدرته على التأثير السلبي في محيطه المجتمعي القريب.

استهداف مقرات أمنية وأسواق وأجانب

كشفت العمليات الميدانية والأبحاث الأمنية المنجزة، بأن عناصر هذه الخلية الإرهابية الأخيرة كانوا يحضرون للقيام بعمليات تفجيرية تستهدف مقرات أمنية حساسة، فضلا عن أحد الأسواق الممتازة، ومحلات عمومية تستقبل الزبائن والأجانب.

ولبلوغ هذه الأهداف انخرطوا في عملية سرية لتصوير هذه المقرات من زوايا مختلفة، وتحديد منافذ ولوجها، كما قاموا بوضع رسوم تقريبية للمسارات والمسالك المؤدية لها.

ومن الناحية اللوجيستيكية، قام أعضاء هذه الشبكة باقتناء مواد كيميائية ومعدات للتلحيم، وسلع ثنائية الاستخدام، يمكن تسخيرها لصناعة المتفجرات، كما راهنوا على تنويع محلات العقاقير بغرض التضليل وعدة إثارة الانتباه.

وقد حرص عناصر هذه الخلية الإرهابية على توفير العديد من الأسلحة البيضاء، من أحجام كبيرة، بغرض تسخيرها في عمليات التصفية الجسدية والتمثيل بالجثث، خاصة وأنهم كانوا يتوصلون بأشرطة من قياديي تنظيم داعش بمنطقة الساحل، توثق لعمليات الإعدام خارج إطار القانون باستخدام التعذيب وقطع الرأس وغيرها من الأعمال البشعة، بغرض الاسترشاد بها في عملياتهم المرتقبة.

التجنيد الإلكتروني والارتباط بداعش

من خلال الأبحاث الأمنية تم الوقوف على أن أعضاء هذه الخلية الإرهابية كان لهم ارتباط عضوي بأحد القياديين في تنظيم داعش بمنطقة الساحل، وهو الذي اضطلع بدور مهم في تسريع عملية التجنيد والاستقطاب وتلقين الأفكار الإرهابية، من خلال الإصدارات والمحتويات الرقمية المتطرفة التي كان يرسلها لأعضاء هذه الخلية، بغرض تحويلهم إلى"أشخاص منذورين للموت" يمكن الدفع بهم بسرعة لتنفيذ عمليات إرهابية.

وقد ساهمت الدعاية السيبرانية التي انخرط فيها تنظيم داعش في تسريع وتيرة ومنسوب التطرف لدى خلية "الأشقاء الثلاثة"، كما كان لها دور خطير في إعدادهم وتحضيرهم لارتكاب مخططات الإرهاب الفردي على طريقة تنظيم داعش، خصوصا تنفيذ عمليات محتملة للقتل والتمثيل بالجثث باستخدام أساليب التعذيب، علاوة على المراهنة على عمليات التفجير لإحداث أكبر خسائر ممكنة في الأرواح والممتلكات.

وقد لاحظت المصالح الأمنية مؤخرا أن عناصر الخلايا الإرهابية المفككة كانوا يستخدمون الشبكات التواصلية لإنشاء تجمعات افتراضية، بغية توحيد توجهاتهم العقائدية وتبادل خبراتهم، بما في ذلك تصنيع العبوات الناسفة والسموم، وتوسيع دائرة الدعاية الإرهابية وانتشار التطرف السريع في صفوف فئة القاصرين والشباب، حيث أن غالبيتهم كانوا يعبرون عن استعدادهم لارتكاب أعمال إرهابية بمجرد تلقيهم لتدريب افتراضي بسيط.

امتدادات الخلية في منطقة الساحل

المشروع الارهابي لخلية "الأشقاء الثلاثة" الذي أحبطته مصالح الأمن كان من المنتظر أن ينتهي بالتحاقهم بمعسكرات تنظيم داعش بمنطقة الساحل فور الانتهاء من تنفيذ مشروعهم الإرهابي، وكان الشقيق الأكبر يعتزم نقل أبناءه الخمسة معه إلى هذه المنطقة، وهو ما يكشف بجلاء بأن التنظيمات الإرهابية في مختلف بؤر التوتر أصبحت تراهن على توفير "ظروف الإعاشة والإيواء" لجذب واستمالة المقاتلين وعائلاتهم من مختلف دول العالم.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن منطقة الساحل أصبحت تشكل مصدر تهديد حقيقي بالنسبة للمملكة المغربية، بالنظر إلى بروزها كعلامة مشتركة بين أغلب المتطرفين الذين تم اعتقالهم منذ 2022، حيث إن معظمهم خَطّط للقيام بمشاريع إرهابية بالمغرب قبل الالتحاق بهذه المنطقة، كما أن قياديين بارزين في تنظيم داعش بمنطقة الساحل كانوا يتولون مهمة التوجيه والتأطير عن بعد لصالح الخلايا المحلية، مثلما هو الشأن بالنسبة لخلية حد السوالم الأخيرة.