«غير بالفن…!»

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 21 مايو 2025
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927

في فرنسا أيضا يطرحون السؤال: الفنان أم الإنسان؟ كلما تورط مغن أو ممثل أو منتم للحياة الفنية في أمور سيئة، أو ملتبسة بعيدة عن الفن الذي يمارسه، والذي أحبه وعرفه بفضله الناس. 

وعندما قتل منذ أسابيع، الكوميدي الكبير بيير بالماد، بعد أن ظل يتناول كل أنواع الكحول والمخدرات والعقاقير لمدة يومين متواليين جنينا في بطن أمه، بعد أن دهس عائلة بأكملها وهو في حالة غياب كامل عن الوعي طرح السؤال مجددا: هل نحاسب هنا بالماد الإنسان، أم نحاسبه وهو يرتدي قبعة الفنان؟ 

طرحت أيضا في القضايا التي تورط فيها فنانون كبار في قضايا اعتداءات جنسية، وتطرح اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية في القضية الشهيرة التي تهز الرأي العام هناك، والتي تخص مغني الراب المتميز والكبير فنيا «بي ديدي»، الذي تورط في اعتداءات جنسية فظيعة، بل وفي جريمة الاتجار بالبشر، ويتابع الآن بتهم ثقيلة للغاية. كل هذا من أجل أن نصل إلى ماذا؟ 

كل هذا من أجل أن نذكر أنفسنا، ثم الجميع، أن الفنان هو في نهاية المطاف إنسان، فيه جوانب خير عادية كثيرة، وفيه جوانب مظلمة قد توقعه في شر أعماله، مثل بقية البشر، وقد تجره إلى ساحة نقاش حول قضايا أخرى غير فنه الذي عرفه به الناس، وهنا لا بد من التمييز الكثير بين المسألتين. 

وفي المغرب عشناها سابقا مع سعد المجرد وأنهاها في سجن فرنسي، ومع دنيا باطما ذات يوم، وانتهت بها الأمور إلى سجن الأوداية، ونعيشها حاليا مع واحدة من كبيرات الغناء في البلد، لطيفة رأفت، وهي في قلب معمعة ما يعرف بقضية «إسكوبار الصحراء». 

هنا يجب التمييز بين الفنان الذي أحببنا فنه، وبين الإنسان العادي الذي يجب أن يتحمل مسؤولية ما قام به، إن هو قام بشيء حقا. 

يجب أيضا ألا نسقط في فخ أعداء الفن والحياة، الذين يتصيدون مثل هذه الفرص، ومثل هذه القضايا لكي يصفوا حساباتهم القديمة العالقة مع الفن والفنانين. 

وقد قرأنا وسمعنا وشاهدنا فظاعات لهم يقولون فيها إن «ما يحدث دليل على عفن الميدان كله وليس فنه، وعلى أن كل الفنانين والفنانات فاسدون وفاسدات»، وهذا كلام باطل يراد به الباطل فقط، ولا وجود للحق فيه. 

الفنان هو أولا وقبل كل شيء، وآخرا وبعد كل شيء إنسان، بمزايا وعيوب، وينقط قوة كثيرة، لكن بنقط ضعف أكثر. وأحيانا تكون شهرته واقترابه من الأضواء وعوالم المال والسلطة وبالا عليه، وسببا في تورطه في أمور لا تخطر على بال محبيه وجمهوره الذين يعرفونه فوق الخشبة فقط، والذين قد يضفون عليه مثالية وعصمة لا يتوفران لأي إنسان فوق سطح الأرض. 

لذلك وجب قولها بهدوء: نحن نتابع كل ما يقع دون أن تذهب بنا المفاجآت أي مذهب، ونحترم قرينة البراءة للجميع، ونعتبر الفن ميدانا ساميا منزها عما قد يتورط فيه بعض الفنانين، ونعرف أن كثيرا مما يقال غير صحيح، وأن كثيرا من الصحيح فيه يتعرض لتشويه كثير، ونوقن أن البعض لن يدع الفرصة تمر دون تصفية الحساب مع الفن، لأن هذا البعض عدو للفن وللحياة، وهذا هو المحزن الوحيد لنا في الحكاية كلها. 

ثم إننا في البداية وفي النهاية، وكما هي عادتنا مع كل القضايا الشبيهة، نؤمن بقضائنا المغربي، ونثق في عدالتنا الوطنية، ونعرف أن الحق سيظهر، ولو بعد حين، وأن الحقيقة ستبدو للجميع، عاجلا أم آجلا. 

لذلك نتريث نحن، ونترك للآخرين كل هذا (التحيار) الذي هم فيه منخرطون، وقديما قيل «بضدها تعرف الأشياء»، والسلام.

«فهمتيني ولا لا؟»، مثلما يسأل نفسه، أخونا التائه بين تقاعد السياسة وتقاعد الدين وتقاعد المال، منذ قديم القديم...