"صوت الحسن ينادي بلسانك ياصحرا…
فرحي يا أرض بلادي. أرضك صبحت حرة.
مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضرا".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
49 سنة ولم تستطع تجعيدة واحدة أن تعلو وجه هذه الأغنية الخالدة. تحدت الكلمات التي كتبها المرحوم وطيب الذكر فتح الله المغاري هي ولحن الخلود الذي وضع تقاسيمه الراسخة المرحوم الرائع الآخر عبد الله عصامي، عوائد الدهر ونوائبه، وكل التقلبات، وبقيت النشيد الذي يحفظه كل مغربي وكل مغربية، باختلاف الأعمار وأماكن الإقامة، والمستويات، حتى أن الراغب اليوم في الشهرة من جيل الفن الجديد يجد نفسه ملزما بالعبور من كل هذا البهاء الوطني والفني، وتقليده وأدائه من جديد إذا ما هو أراد العبور إلى قلوب المغاربة مباشرة، ودون استئذان؟
ما الذي صنع المعجزة في هذا العمل الفني حتى صار دائما، والدوام لله طبعا، وقادرا على كل هذا التحدي؟
صنعه الحدث نفسه الذي تغنت به الأغنية، صنعته المعجزة المسماة "المسيرة الخضراء" التي نخلد اليوم ذكرى مرورها للعام التاسع والأربعين.
عندما أطلق الملك العظيم الراحل، عبقري زمانه ومكانه، الحسن الثاني رحمه الله النداء في ذلك الأكتوبر من تلك السنة التي قد تبدو لنا بعيدة الآن، قال العالم كله "مستحيل".
قال المغرب منذ تلك اللحظة للعالم "لاتقلب الصفحة حتى تقرأ السطر المغربي الأخير"، كتب سطر المغاربة الأخضر يومها إيمانا قويا بألا شيء يمكن أن يخيف شعبا يتعلم منذ الصغر أن "بنادم كيموت على ولادو وعلى بلادو".
لذلك ذهب الكل إلى الصحراء، دون أي سلاح، ماعدا القرآن وعزيمة النساء والرجال، المغاربة الذين ينتمون إلى "منبت الأحرار" الأرض التي تتنفس الحرية منذ البدء وحتى الختام.
إسبانيا يومها كانت بلدا آخرا، قويا بجيشه وعقلية لازالت تحن إلى الاستعمار، وغير قادر على النظر إلى جيران الجنوب باحترام.
علم الحسن الثاني رحمه الله الجنرال فرانكو، كيفية احترام شعب قال له ملكه "لنتحرك بنظام وانتظام إلى الصحراء لنصل الرحم"، فتحرك.
تغيرت أمور كثيرة منذ تلك اللحظة. علموا الجيل الجديد هذه القاعدة: المسيرة الخضراء كانت لحظة مفصلية غيرت شكل نظر العالم إلى المغرب.
بعدها أصبح المستحيل والمغرب لايلتقيان في أذهان الآخرين عنا، وكلما ذكرت أمامهم إسم المغرب وقلت إنه ينوي القيام بشيء، قالوا لك "أي والله، هو قادر على ذلك وعلى مايفوق ذلك بكثير".
لذلك نعتبر هذا النداء محركا لنا منذ تلك اللحظات، ودافع تقدم وانطلاق، وسبب مسيرة دائمة لاتتوقف في كل المجالات، محركها الأول طبعا دفاعنا عن وحدتنا الترابية التي قال المغاربة دوما إن المساس بها أو محاولة المساس فقط، يعنيان انتهاء كل الأشياء، وحتى العمل على تحسين عيش المغربية والمغربي، وجعلهما اليوم خير الأحفاد والأبناء، للسابقين الذين حملوا فقط القرآن الكريم، وهبوا لصلة الرحم مع الصحراء.
49 سنة بعد الحدث العظيم، قلب اليوم نظرك في تلك الرمال الغالية، واكتشف كيف أصبحت عمارا ينافس أجمل المدن في أكبر البلدان، وافهم فقط أن المسيرة الخضراء لم تتوقف أبدا، بل انطلقت وهي تواصل المسير، والجميع هنا، من ملك البلاد وعاهلها وسيدها حتى أبعد مواطن في أبعد مكان من طنجة إلى الكويرة، يعمل ويشتغل من أجل أن يظل "نداء الحسن" نداءا حرك الوجدان والأعماق في المغاربة سنة 1975، ويواصل إلى الآن، وإلى غاية انتهاء كل الأيام مخاطبة الحس الوطني فيهم، ومخاطبة دواخل الدواخل، تلك التي يرتج لها المغربي والمغربية حين يسمعان كلمة "الصحراء" فيصرخان بكل الإيمان: مغربية.
ذلك كان حالنا منذ تسع وأربعين سنة خلت، وذلك هو حالنا اليوم، وسيكون هذا هو الحال دائما في البلد الذي يعتمد أهله فقط على إيمانهم لكي يصنعوا باستمرار المعجزات.