طنجة.. مدينة ترفض موتاها

برامج التأهيل الحضري لعروس الشمال تعجر عن حجز بقع تأويهم
طنجة: محمد كويمن الثلاثاء 27 أغسطس 2024

غالبا ما تعكس حرمة الأموات واقع الأحياء حين تعجز برامج التأهيل الحضري عن تأهيل مصيرهم المحتوم، بعدما صرفت مبالغ ضخمة في إعادة تهيئة البنية التحتية للمدينة، دون أن يكون لمقابرها نصيب من أوراش تجديد مرافقها ضمن مخطط التنمية لطنجة الكبرى.

مجموعة من المقابر بطنجة أصبحت غير قادرة منذ سنوات على استيعاب المزيد من الموتى، وبعضها أغلقت كمقبرة مرشان، وأخرى تواصل استقبال الموتى بتوصية من السلطة كمقبرة سيدي عمار، فيما المقبرة الرئيسية «المجاهدين» تعيش أنفاسها الأخيرة رغم توسعة مجالها الترابي أمام الضغط  الكبير عليها في غياب أي استراتيجية لتدبير هذا المرفق، الذي تسيطر عليه العشوائية، حيث تنعدم بصمة الجماعة في تنظيم إجراءات الدفن وفرض تدابير تصون حرمة المكان. 

قبل عدة سنوات أعلن مجلس جماعة طنجة بشكل رسمي عن عدم قدرة المقبرة الرئيسية بالمدينة، التي تحمل اسم «المجاهدين» على استيعاب المزيد من الموتى، ومع ذلك تواصلت عمليات الدفن بهذه المقبرة بطريقة أقل ما يمكن القول عنها أنها عشوائية وتعتدي في كثير من الحالات على حرمة الموتى، وحين تمت إضافة مساحة أرضية جديدة مجاورة لها لتوسعة المقبرة وحل إشكال الضغط ولو مؤقتا،  لم يتم وضع تصميم ينظم عملية الدفن، وسرعان ما صار الفضاء الجديد بدوره يقترب من انتهاء فترة استغلاله، حيث سيصير غير قادر لاستيعاب المزيد من الموتى خلال السنوات القليلة القادمة.

عدد من المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير شؤون المدينة، دائما ما كانوا يعتبرون أزمة العقار بطنجة، أحد الأسباب وراء عدم توفير مقابر جديدة، حين أصبح البحث عن مساحات أرضية فارغة تابعة للملك العام بالمدار الحضري من سابع المستحيلات، كما أن وضع اليد على أراضي الخواص يحتاج إلى توفير ميزانية إجراءات نزع الملكية، ومع ذلك يلوم سكان المدينة السلطات على افتقاد المدينة من حجم طنجة لمقبرة تليق بها وتستوعب أمواتها، بعدما ظل أحياؤها من الذين تعاقبوا على تسييرها لا يفكرون في مصيرهم المحتوم كما يهتمون بتراخيص البناء إلى أن جعلوا المدينة تعاني من الاكتظاظ في الحياة والموت.

وسبق أن تم الإعلان خلال نهاية سنة 2008 عن مشروع إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة والسواني ومغوغة وبني مكادة، حيث خصص لهذا المشروع مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة، كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية، لكن هذه الأوراش لم تصل إلى مرحلة تفعيلها على أرض الواقع، بعدما تعثرت في مهدها في غياب الاعتمادات المالية وماتت قبل أن تجد حلا لموتى المدينة، كما لقي مشروع إنجاز مقبرة جديدة نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه حتفه قبل ميلاده، دون تقديم أحد الآن أي مشروع جديد لتجاوز فضيحة عجز طنجة الكبرى عن توفير مقبرة لائقة لسكانها.