هل يمكن للسينما أن ترافق تيماتها الجمالية والتقنية ورسالة المعنى في قصصها بوسائل فرجوية للترافع على الوطن ؟ هل يستطيع القبض على المشاعر، كما هي عادة السينما منذ ولدت.. أن توثق للحظات ارتفاع الصوت بالظلم والقهر في صراع حول منطقة غالية تعيش داخل كل واحد منا ؟ أين تقف حدود البروباغاندا في الإنتاج السردي المصور وأين يمكن الفصل بين الذاتي والموضوعي؟ كلها أسئلة أجاب عنها الثناني محمد ظهرا وعلي الطاهري بحنكة وتميز من خلال ‘‘قصة وفاء‘‘.
سينما ترافعية بامتياز حول قضية وطنية أساسية شكلت وتشكل جزءا من وجداننا في صراع استدام في الزمن بحكم محيط جيو سياسي لازال يعيش زمن الحرب الباردة ولا زال مؤمنا بمشروع وهمي، تفنده كل وقائع التطورات السياسية الإقليمية والدولية. ‘‘قصة وفاء‘‘ شريط سينمائي يستعيد لأول مرة في تاريخ الفن السابع في المغرب، وقائع اختطاف مواطنين مغاربة كانوا في لحظات في بهجة يستمتعون داخل عرس مقام بالمناطق الجنوبية للمغربية بكل ما تحفل به معاني الحياة، لتنتقل حياتهم إلى النقيض عبر تصوير طاعن في الواقعية في تجربة الأسر والتعذيب المريرة في مخيمات تندوف.
الكثير من المشاهد ستكون قاسية على المتفرج، لكنها قسوة غير مجانية بالمرة، إذ أنها تتجاوز الحدود الرمزية لثنائية الأسر / الغدر، لتنزل إلى قعر الدناءة البشرية التي تتقمصها شخصيات عسكر الانفصاليين ومن يدعمهم، لتسلط الضوء على أكثر الصور البشرية سقوطا في التاريخ المعاصر، لدرجة أن الإعاقة البشرية تصبح مدعاة للتلذذ بتعذيب المأسور في جو حافل بسادية موغلة في الوحشية.
‘‘مجد‘‘ الخياط، ذو الإعاقة الجسدية وأحد أبطال القصة، يصبح رمزا لتعذيب الانسان المغربي الذي لا يقبل المساومة في وطنيته ويفرض على أعداءه، حتى في أكثر الأوقات ضعفا، أن يستعدوا لمقاومة طويلة الأمد قوامها الأنفة والشراسة في التشبث بالمعني المغربي للوجود. مجد المعاق الذي يتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب، نجح من خلاله الممثل ‘‘محمد ظهرا‘‘ في إيصال رسالة العمل ككل، وفي إقناعنا أيضا بقدرات تمثيلية هائلة لم تكن متوقعة في فنان درج على درب الكوميديا وكان يصعب تخيله في أدوار بهذه الأعماق الدرامية.
علي الطاهيري نجح أيضا في تفكيك رموز القصة وبعثها على الشاشة في صورة مشاهد يمكن قراءتها على عدة مستويات. رمزية العلاقات الإنسانية التي تربط المغاربة المأسورين وتضامنهم في الأوقات الصعبة، والعلاقات المتقاطعة مع الطغمة العسكرية المسيطرة على مخيمات تندوف، حملت أكثر من رسالة، جمعت بين التاريخ والسياسة و وذكرت باللحظات المفصلية في مسار هذا الصراع. تميز آخر يسجل لعلي الطاهيري، تمثل في نجاحه من خلال إدارة الممثلين، وغالبيتهم قادمين من المرجع الكوميدي للتشخيص، لتقديم أداء بارع في الحقل الدرامي، وهو رهان يقول عنه المخرج، أنه لم يكن سهلا بالمرة، لكن النتيجة أثبتت له القيمة العالية للمثلين الذين استعان بهم في هذا العمل.
مفاجأة جميلة في انتظار كل من سيشاهد ‘‘قصة وفاء‘‘ الذي ترافع عن قضية المغاربة الأولى دون أن يغفل المواد الأساسية للعمل الفني : الكثير من المشاعر الإنسانية وسط واقعية مثيرة للانتباه والدهشة معا.
في غياب مثل هذا النوع من الأفلام التي تسلط الضوء على موضوع قلما تم تناوله بهذه الحدة والشراسة في قضية الصحراء المغربية، سيكون من الأجدر أن يوضع ‘‘قصة وفاء‘‘ على قائمة عمل ديبلوماسي موازي يجعل من الصورة والقصة أداة فاعلة لتوصيل صوت المغرب، وتوضيح معاناة مواطنيه الذين وقعوا تحت الأسر لسنوات طويلة، حتى يتعرف العالم على طبيعة النظام الذي يحاول اغتصاب أرض مغربية منذ عقود.