AHDATH.INFO
نشر موقع دوتش فيللة الألماني، تحقيقا عن ملف هجرة المغاربة للعمل في ألمانيا، قال فيه إن أعداد الشباب المغاربة المهتمين بالهجرة نحو ألمانيا في ارتفاع مستمر، حيث صار الإقبال على تعلم اللغة الألمانية ومعادلة شهادات التكوينات الأكاديمية والمهنية كبيرا. لكن الشكاوى من مكاتب سلطات الهجرة في ارتفاع مستمر. فيمايلي التحقيق كاملا:
بعد توقيع المغرب وألمانيا إعلان نوايا يهدف إلى تعزيز التعاون بين البلدين في القضايا الأمنية وفي مجال الهجرة، في الـ 30 من أكتوبر المنصرم، ساد تفاؤل كبير في أحاديث الشباب المغاربة المهتمين بفرص العمل التي يوفرها البلد، خاصة منهم من بدأ استعداداته قبل مدة رغبة في الهجرة نحو ألمانيا.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
درست بسمة تخصص الفندقة في المغرب، وعلمت لاحقا أن دبلومها قد يمكنها من تحقيق حلم العمل في أوروبا، وبالضبط في ألمانيا، بالنظر للخصاص المهول في اليد العاملة بالبلد.
حلمها بتجربة العيش في أوروبا كان دافعا مكنها من الحصول على شهادة لغة مستوى B1 خلال الأشهر الأولى من 2021، مما حفزها لبدء إعداد ملفها المكون من شهادات دراستها وتدريباتها المهنية، وفي منتصف شهر ماي 2022، وجدت فرصتها مع المشغل الألماني عن طريق موقع ألماني للبحث عن عمل. بعد شهرين من المقابلة بعث لها المشغل عقد العمل، وبتوصية منه دفعت مقابل ملف التسريع للمشغل 411 يورو حسب تأكيدها، لكن إلى اليوم لم تحصل على أي رد.
هذا التأخير، جعلها تفوت موعدها لدى القنصلية الألمانية بالرباط الشهر الماضي، الذي كان سيخصص لوضع ملف طلب الحصول على تأشيرة. تقول بسمة "لقد حاولت جاهدة، وكنت جد متفائلة، أعانتني عائلتي ماديا ومعنويا، لكن هذه التجربة السلبية، والبطء الكبير في المعاملات الإدارية، أفقداني اليوم الشغف، أريد فقط أن أعرف لماذا لم يجيبوني، أليست ألمانيا من تشتكي من نقص اليد العاملة؟ لماذا لا يسهلون وصولنا للوظائف التي نجدها؟".
الاتفاقيات التي أبرمتها الحكومة الألمانية تهدف بالأساس إلى تسهيل إصدار تأشيرات العمل والتدريبات المهنية للمهتمين في المغرب، لكن مقابلها هناك مطالبة ألمانية بتحسين التعاون في عمليات إعادة طالبي اللجوء المرفوضين من جانب المغرب.
ويبلغ عدد المغاربة المقيمين في ألمانيا المُطالَبِين بمغادرتها 3660 شخصاً، 2762 منهم حصلوا على تصريح إقامة (منع ترحيل أو دولدونغ) لأسباب مختلفة، أما 898 الباقون فيمكن ترحيلهم بسرعة.
وكان المغرب لا يسمح سوى ببعض عمليات الترحيل الفردية على متن رحلات جوية مجدولة، وهو ما يزيد من صعوبة عمل الشرطة الاتحادية المسؤولة عن عمليات الترحيل.
وتمثل ملاك، الشابة المغربية التي وصلت إلى ألمانيا نهاية سنة 2021، والبالغة من العمر حالياً 34 سنة، حالة معقدة من بين حالات كثيرة تحدثنا إليها في مهاجر نيوز. هم أشخاص تمكنوا فعليا من الوصول إلى ألمانيا بطريقة قانونية، لكن سرعان ما تحولت حياتهم فيها إلى "جحيم" حسب وصفهم، فلا هم تمكنوا من تحقيق طموحاتهم، ولا البلد استفادت منهم كما يجب.
وكانت ملاك معتادة في إطار عملها بمجال النقل الدولي، على القدوم إلى الكثير من البلدان الأوروبية طوال السنوات الماضية. تقول في تصريح لمهاجر نيوز "بسبب ظروف خاصة، لم أتمكن من العودة للمغرب حينما قدمت إلى ألمانيا".
انتهت صلاحية التأشيرة وهي في ظرف قاهر حسب ما تحكيه، فنصحها أصدقاء ومعارف بطلب اللجوء رغم أنها لن تتمكن من الحصول على قبول لطلبها لأنها مواطنة مغربية، أي قادمة من بلد آمن، لكنهم اقترحوا عليها أن تستغل الوقت الذي يستغرقه البت في طلبها لتعلم اللغة وإيجاد عمل أو تدريب مهني. فشلت السلطات في ترحيل ملاك كما يحصل في أغلبية حالات الترحيل بسبب مشاكل إدارية، وتدخل محاميها في القضية، ليتم منحها تصريح التسامح (منع الترحيل).
وجدت الشابة المغربية فرص عمل بعد ذلك، لكن نوعية إقامتها كانت تمنعها منه كما تمنعها من مغادرة مركز اللجوء الذي تعيش فيه. تقول "طلبت من الموظفين أن يساعدوني على تغيير وضعيتي عبر السماح لي على الأقل بتعلم اللغة، فأنا لم أعتد أبدا على حياة الأكل والنوم، أردت أن أحقق شيئا".
وتساءلت الشابة قائلة "ألا تعاني ألمانيا من نقص اليد العاملة؟ لقد أتيتها برغبة في تحقيق الكثير، وليس البقاء محتجزة في مركز اللجوء".حصلت ملاك اليوم على مستوى B1 في اللغة الألمانية بعد السماح لها بالدراسة، ونهاية هذا الشهر سوف تجتاز الامتحان السياسي، وتحاول جاهدة إيجاد عمل أو تدريب، وتفكر في التطوع في عمل خيري لتكتسب مهارات لغوية وتندمج في المجتمع الألماني أكثر.
كل هذه المجهودات والمحاولات، لم تشفع لملاك في البقاء في ألمانيا، فصلاحية الإقامة التي منحت لها ستنتهي خلال أسابيع. تقول "أعيش الرعب من الترحيل يوميا، يستنزفوننا في كل دقيقة بكثرة المواعيد الإدارية التي يذكروننا خلالها بأن الترحيل وشيك، عوض السماح لنا بالتركيز في تعلم اللغة والعمل والاندماج، لا يفرقون بين من سينفع هذا البلد فعلا ويساهم في تطويره اقتصاديا، ومن يستنزفون أموال الدولة دون فائدة. السلطات الألمانية تعرقل وتركز جهودها على الأشخاص الخطأ، لا أفهم لماذا؟".
ما تشتكي منه ملاك، وإن تم تبريره بخطئها القانوني في البقاء في ألمانيا بعد انتهاء صلاحية تأشيرتها، إلا أنه أمر يعاني منه العشرات من الشباب المغاربة الذين وصلوا إلى ألمانيا إما عن طريق عقد عمل أو تدريب مهني، لكن واجهتهم مشاكل لم تكن بالحسبان.
مهدي، واحد من هؤلاء الشباب، وصل إلى البلد شهر مارس من العام 2023، بعد حصوله على عقد تدريب مهني واستيفائه كل الشروط التي تسمح له بالقدوم إلى ألمانيا. قبل نهاية مدة التدريب بيوم واحد، حسب ما يحكيه لمهاجر نيوز، قررت الشركة فسخ عقده، وأخبرت مكتب الأجانب بالأمر. هناك طُلِبَ منه نسخة من القرار وجواز السفر، وتم إخباره أنه ستتم إعادته إلى المغرب.
ورغم حصوله على عقود عمل وتدريبات أخرى، في الولاية نفسها، يرفض مكتب الأجانب السماح له بالعمل إلى الآن، ويجددون طلب مغادرته ألمانيا في كل زيارة منه للموظف المسؤول عن ملفه، ويُبَلغ بهذا القرار كل مشغل منحه عقد عمل وحاول التوسط لدى مكتب الأجانب لحل مشكلته.
مهدي اليوم حائر، فلا هو يستطيع العمل رغم كثرة الفرص التي وجدها وإتقانه للغة، ولا هو قادر على اتخاذ قرار العودة طوعا للمغرب. يقول "استثمرت وعائلتي ماديا ومعنويا وبذلت الكثير من الجهد لأجل القدوم إلى ألمانيا بشكل قانوني، بهدف إيجاد فرصة لبناء مستقبل أفضل".
ولا يدري مهدي هل نصيحة أصدقائه بتوكيل محام لمتابعة الملف، وتغيير محل سكنه نحو ولاية أخرى سيكون حلا، أم أنها ستكون مصاريف إضافية لا تنفع أمام تعنت الموظفين والسلطات الألمانية.
الجهود المبذولة من طرف ألمانيا لإيجاد حلول لنقص اليد العاملة وتوجهها لبلدان شمال إفريقيا ليس جديدا، فقبل إعلان الاتفاقيات بين كل من المغرب وألمانيا خلال أكتوبر المنصرم، كانت قد جرت مباحثات بين وزيرة الشؤون الخارجية لجمهورية ألمانيا الاتحادية، أنالينا بيربوك، ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، خلال زيارة عمل له في ألمانيا، خلالها سلط الوزيران الضوء على التعاون الوثيق في مجال الهجرة.
كما أن جهود ألمانيا في التنسيق مع البلدان الشمال إفريقية، تأتي في سياق جهود الاتحاد الأوروبي الذي يرى أن دول شمال القارة، شريك استراتيجي لمكافحة الهجرة غير القانونية، وفي الآن ذاته مصدر لليد العاملة التي تحتاجها أوروبا لتفادي ركود اقتصادي.
لكن بالنسبة لكل من يفكر في الهجرة نحو ألمانيا من المغرب، فإن أول المعيقات التي تتبادر إلى الذهن هو بطء الإجراءات الإدارية واستمرارها لأشهر طويلة حسب شهادات استقيناها سابقا، حتى قبل الوصول إلى ألمانيا. وقد سبق لوزارة الخارجية الألمانية أن صرحت لمهاجر نيوز بخصوص هذا الموضوع سنة 2019 قائلة "السفارة الألمانية بالرباط تواجه طلبًا كبيرًا على التأشيرات في كل الأصناف".
وعند مقارنة المغرب ببلدان أخرى، فرقم الحاصلين على تأشيرة العمل يبدو قليلا، إذ تتصدر دول البلقان القائمة. وحتى عند مقارنة المغرب ببلدان في شمال إفريقيا، فمصر تتصدر تأشيرات العمل متبوعة بتونس ثم المغرب ثالثًا، متبوعة بالجزائر وفقاً لأرقام صادرة عن الخارجية الألمانية.