أحداث ديكالي

يوميات "أحداث .أنفو" في القاهرة: شيشة "فخفاخينة" للعُمدة" بالمهندسين

أسامة خيي الاثنين 10 نوفمبر 2014
يوميات "أحداث .أنفو" في القاهرة: شيشة "فخفاخينة" للعُمدة" بالمهندسين
Capture d’écran 2014-11-10 à 20.16.38

AHDATH.INFO - القاهرة خاص

من حي الزمالك كانت الانطلاقة. وإلى قلعة المحكى التاريخية كانت الوجهة. والغرض لا يخفى على البال. فمصر كلها تعرف أن هذا اليوم ، مساء الأحد 19 نوفمبر 2014، ستستعيد القاهرة مهرجانها السينمائي الدولي الذي اضطرت وزارة الثقافة أن توقفه في السنة الماضية بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية غير المستقرة التي كانت سائدة في البلد . مهرجان برؤية طموحة وتصور جديد، يقودهما الناقد السينمائي سمير فريد، الذي وضع وزير الثقافة جابر عصفور فيه الثقة وعينه رئيساً عليه. وهي ثقة بدت منذ الوهلة الأولى في محلها من خلال أسلوب التواصل الذي اعتمدته الإدارة الجديدة، وكذا من خلال قيمة الأفلام المُبرمجة ضمن المسابقة الدولية، ومسابقة آفاق السينما العربية، وباقي الفقرات مثل فقرة مهرجان المهرجانات، وفقرة سينما الغد الدولي الخاصة بالأفلام القصيرة، وفقرة كلاسيكيات الأفلام الطويلة، وفقرة أسبوع النقد الدولي، وفقرة العروض الخاصة، وفقرة أفلام عن السينما، وعروض أفلام السينما اليونانية المحتفى بها في هذه الدورة، وفقرة تكريم بعض الأسماء التي ارتبط اسمها بالسينما العربية والدولية وتسليمها جائزة نجيب محفوظ.

10305252_10204825690863024_5059055798526104467_n
إذن سأتوكل على الله، وسأركب الباص، وسأتوجه إلى حيث سيسوقني هذا القدر الذي أتحمل نسبة كبيرة من المسؤولية في حدوثه ما دمت قبلت عن طيب خاطر أمر التكلف بهذه المهمة التي لا يمكن أن يتردد أي كائن إنساني سوي العقل والنفس في الترحيب بها مادامت ستتم أطوارها رفقة شخص مجنون بحب السينما اسمه ذو وقع مزعج على آذان المعتدين على حرمة الفن السابع، هو بلال مرميد.
قلعة المحكى التي اختارها سمير فريد لكي تحتضن حفل افتتاح الدورة 36 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي فضاء جميل. ينبعث منه عبق الحضارة المصرية العريقة. لكنه فضاء مفتوح على تقلبات الطبيعة. وهنا يكمن سوء التقدير.
الحفل البهي الذي كنت أمنّي به النفس والفرجة البهيجة والمُنظمة التي كنت أعتقد أنها ستشفع لي تجشم مشقة قطع الكيلومترات العديدة التي تفصل بين مقر إقامتي في حي الزمالك وبين مكان الحفل، لم يتحققا على الإطلاق. والسبب أولا وقبل أي عامل آخر له علاقة بالتدبير البشري هو هبات الرياح الباردة التي لم تقو ملابسي الخفيفة على مقاومتها، والتي أثرت سلباً على أجواء الحفل، وحوّلته إلى لقاء باهت يسوده الارتباك في التقديم وتتخلله أعطاب تقنية في الصوت والإضاءة، ولم يساهم وجود فنانين نجوم من قبيل يسرا، ليلى علوي، إلهام شاهين، سميحة أيوب، محمود ياسين، وائل نور وغيرهم، في جعلي أشعر بأن هناك داعيا حقيقيا يجبرني على البقاء في رحاب هذا المكان.

10502053_10204825695383137_8434993784340999877_n
لم أكن أدري أن الطبيعة غادرة إلى هذا الحد. كنت أظن أن الجو الدافئ الجميل لحي الزمالك سيبقى كما هو في قلعة المحكى. لكن خاب ظني. وكان من الضروري أن أبحث عن حل. وهكذا، لم اجد بدا من أخذ طاكسي بمبلغ سبعة وستين جنيها من أجل العودة إلى قلب القاهرة بحثا عن مكان يسري داخله الدفء ويساعدني على التصدي لأعراض الزكام التي بدأت تظهر علي، وهو الأمر الذي لم تمر سوى لحظات قليلة على وصولي إلى مقر إقامتي حتى توفقت في بلورته عمليا وبشكل ملموس، عندما تبادرت إلى ذهني فكرة الذهاب إلى إحدى المقاهي المفتوحة ليل نهار في حي المهندسين.
"فيه محل إسمو مصطفى قمر. وفيه محل ثاني إسمو العمدة. دول محلين كويسين في المهندسين حيعجبك أفندم". هكذا أجابني سائق طاكسي الشاب الذي وقف لي في شارع محمد عبد الوهاب. لم أستسغ اسم "مصطفى قمر" عكس اسم "العُمدة" الذي راقني كثيراً. لأنه أحال ذاكرتي على مسلسلات قرى الصعيد التي كنت في طفولتي ألتهمها بشراهة من داخل أطباق الدراما المصرية التي كان يقدمها التلفزيون المغربي لمجالسنا الأسرية.
"كم عندك في العدّاد". سألت السائق بعد وصولي إلى الطوار المقابل لمقهى العمدة. "لي إنت عاوزو حضرتك". "عشرون جنيها كافية؟". سلمته ورقة العشرين جنيها. أخذها. قبّل ظهر كفه ووضعها فوق جبهته. "ربما يخليك يا ".
في مقهى العمدة يتلقفك واحد من النادلين الكثر ذوي الأقمصة البيضاء، ويأخذك إلى طاولة فارغة ويُخبرك بأن أقل ما أنت مجبر على استهلاكه في المقهى هو مبلغ خمسين جنيها ويُضاف إليها مبلغ خمسين جنيها أخرى إجبارية تعويضا لأعضاء الفرقة الموسيقية والمطربين الشعبيين الذين يشتغلون في المقهى. يعني أن أقل ما يمكن أن يدفعه الفرد الواحد مقابل لحظة جلوس قد تطول أو تقصر في مقهى العمدة هو مائة جنيه. أي حوالي 125 درهما مغربيا. ما علينا. مصّاب غير الصحة والعافية، والمهم هو أن تكون الجلسة مفيدة.
في مقهى العمدة كل الزبائن يدخنون الشيشة. رجالا ونساء. والشيشة أنواع. هناك شيشات المعسل سلوم، التفاح، الخوخ، الكانتالوب، الورد، الفراولة، الكريز، شيشة فخفاخينة، عنب فاخر، عنب توت، تفاح فاخر، خوخ فاخر، بطيخ، علكة، وأثمنها تتراوح ما بين عشرة جنيهات وخمسة وثلاثين جنيها. وإذا لم تطلب شيشة، ستبدو مثل كائن بئيس خارج عن ملة الجماعة. ما العمل؟
العمل هو أن أطلب شيشة واحدة دون أن أدخنها. لأنني أولا، لا أدخن. و لأنني ثانيا لا يمكن أن أستهلك خمسين جنيها كلها. فكأس عصير البرتقال الذي شربته حال اقتعادي لمقعد قبالة الفرقة الشعبية يساوي 15 جنيها. و25 جنيها هو ثمن "سلاطة فروت" التي آثرت تناولها في الطبق الرئيسي لوجبة العشاء بدل كل أنواع الأطعمة الدسمة الأخرى المكتوبة في "الكارت" من بينها "المشويات" و "الأسماك" و"الطواجن" و"عائلة الفول".
"أي نوع من الشيشة تقترحها علي؟". سألت واحدا من النادلين ذوي الأقمصة الزرقاء المكلفين بخدمة مدخني الشيشة. "فخفاخينة كويَسة. ذي كوكطيل وحتحب طعمها". أجابني النادل. إذن على بركة الله. فخفاخينة. الثمن : عشرون جنيها.

10468089_10204825867787447_8519791962902954897_n
أسحب الدخان عبر الأنبوب الأبيض الذي أخرجه النادل من كيس بلاستيكي محاولا إيهام النادل أنني "شيّاش" محترف. أشعر بحرارة لاسعة في حلقي. تسري نار أشد سعيرا من نار الجحيم داخل صدري. أُصاب بالسعال. يخرج الدخان من فمي ومن انفي. تنهمر الدموع في عيني. وأشعر بالاختناق. يلتفت إلي الناس داخل المقهى. يشرعون في الهمس. أطلب من النادل أن يبعد عني"الفخفاخينة". لم أعد أرغب في أية فخفخة.
يقترب مني مطرب الفرقة حاملا ميكروفونه اللاسلكي وهو يغني "سلامتها ام حسن. من العين ومن الحسد. وسلامتك ياحسن. من الرمش اللي حسد. سلامتها. سلامتها. سلامتها أم حسن".
أشعر بأن عينيّ سينغلقان قسراً. فأقوم من مقعدي وأخرج.

أحمد الدافري