نقاشات هذا الزمن من نوع أغر فعلا، وأحيانا يكون صعبا تقبل الأمر، والتسليم بها والانخراط فيها، لكن لابد ما ليس منه بد.
العالم بأسره منذ أيام استيقظ على صور بطلة تلفزيون الواقع الفاتنة الماردة كيم كارداشيان وهي تضع كأس شامبانيا على جزء حساس من ذاتها: المؤخرة لكي نقول الأشياء من الختام ونرتاح، ولا حياء في العلم والدين وفي الصحافة أيضا (وهذه المسألة يعرفها عدد كبير من زملائنا في المشهد الإعلامي الوطني)
المغرب أيضا اكتشف حكاية لها علاقة بالمؤخرات، لكن ليس بنفس جمال "مسؤولية" و"خلفية" كيم، بل بشكل أقل إثارة لكل الحواس اللهم حاسة الغيظ.
المغرب فتح عينيه وأذنيه وبقية وسائل الالتقاط لديه على فيديو بث عبر اليوتوب لشاب من شبان الوقت الأنترنيتي وهو يصور مؤخرات النساء المغربيات في الشارع لكي يستدل على ماذا؟
لكي يستدل على أن التحرش الذي تقوم به هاته النساء هو أسوأ من أي تحرش آخر.
المصيبة العظمى هي أنك عندما تشاهد الفيديو، ستجد أنه يلتقط صورا عادية لنساء مغربيات عاديات ليس فيهن مايثير، اللهم في رأس من كان لديه عطب جنسي فعلي يجعله اليوم بطوله يفكر في هذ الموضوع، وفي كيفية التخلص منه ومحاربته، علما أن المطلوب بالنسبة للإنسان السوي هو العكس تماما، أي إشباع هذا المكون الحيوي والهام من تكويننا الإنساني إشباعا سليما، لئلا يطفو كل مرة على السطح ويمنع الإنسان من التفكير بعضو التفكير فيه أي العقل والانتقال إلى التفكير بالعضو الآخر المرتبط بمجال الحديث اليوم.
صديقنا لاأهمية له على الإطلاق اللهم من نقرات الإزعاج التي يخلقها بين الفينة والأخرى في الفيسبوك واليوتوب وغيرها، وهو لايستحق أصلا لا نقاشا ولا ماشابه.
الأخطر والأهم والأفدح منه أن يكون له ولفكره معجبون، أن يجد كلامه وطريقة تفكيره من يقولون "آييه آسيدي، عندو الحق"، أن يحرك رجل أو امرأة في مكان ما من المغرب رأسيهما موافقة وهما يريان شريط المؤخرات المعيب ويقولان "وانيت راه شي وحدات كيعيقو".
هذا هو أخطر ما في الموضوع، وهذه هي البوابة التي سيصبح بموجبها اغتصاب النساء أمرا حلال ممكنا ومباحا لأي ذكر (وليس رجل) اعتبر أن أنثى عبرت أمامه واستفزته بلباسها، وبالتالي فلاحرج عليه أن يقضي وطره منها بالرضا أو بالغصب.
في بلد إفريقي يسمى أوغندا (ولابد من هذا الانتقال لكي نعرف أن الديانة لا دخل لها بالتخلف والانحطاط) تمكن كاثوليكيون متشددون من فرض قانون بموجبه تمنع النساء من ارتداء تنانير قصيرة في الشارع أو ارتداءسراويل ضيقة أو ارتداء ملابس فوقية تبرز بعضا قليلا أو كثيرا من صدورهن.
أكثر من تمرير القانون، تم فرض عقوبة على كل امرأة ترتدي هذا الزي وترك الشارع يتعامل معها مثلما يشاء، بالضرب، بلسحل، بإزالة اللباس وتركها عارية مثلما ولدتها أمها أمام الكل.
وفي المحاكم الأوغندية أصبح عاديا أن يسأل القاضي المغتصبة "ماذا كنت ترتدين قبل أن تتعرضي للاغتصاب؟" وإذا ثبت لسعادة القاضي أن الضحية كانت ترتدي لباسا فاضحا أو في حكم الفاضح حتى وإن كان عاديا جدا، فإن العقوبة قد تسقط أو قد تصبح هينة تماما.
هل هذا مايريده الشيخ الشاب الذي صور مؤخرات المغربيات في الشارع دون أخذ إذنهن ووضعها في الأنترنيت فرجة معيبة ساقطة مهينة أمام أنظار العالم لكي يستدل بها على غبائه وسخفه؟
لا أحد يدري، ولدي اقتناع ما منذ أشهر عديدة أن هذا الشاب لا يتحرك من تلقاء نفسه، وأن جهة ما من "الإخوة الأفاضل" هي التي ترسم له المسار وهي التي تحدد له توقيت الخرجات، وهي التي تقول له "إفعل كذا في اللحظة الفلانية" لأغراض في نفس يعقوب و"رباعة يعقوب" .
مقتنع بهذا الكلام إلى آخر حد، ومقتنع أكثر أننا لو اعتبرنا مثل هاته التفاهات أمرا غير ذي بال ولا تستحق كلاما، وتكبرنا عليها اليوم، ستصبح لها الغلبة غدا وسنسأل أنفسنا "متى تهاونا في الضرب بقوة على أيدي من ارتكبوها وهي في البدء".
وقد أعذر من أنذر، أو لكي نعود إلى حكاية المؤخرات التي بدأنا بها المقال، لقد اتضحت خلفية كل واحد، فليستر كل منا عورته قبل أن نتعرض جميعا للاغتصاب ، علما أن العورة الوحيدة التي تعرت هاته المرة هي عورة هذا الفكر المتخلف السفيه الذي يحيا معنا
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أكثر من ثلاثة آلاف شاب في ليلة الفلاسفة بالمكتبة الوطنية بالرباط الجمعة، ومثلهم تقريبا في الدار البيضاء في اليوم الموالي
لي هاته الرغبة في التفاؤل بالصاعدين الواعدين، ممن لا يستسهلون الكلام الفارغ، ويذهبون إلى العمق، إلى القراءة إلى الرغبة في الاكتشاف، إلى الفضول الجميل.
حين تمضي وقتا طويلا في الفيسبوك أو تويتر تكاد تصاب بالصم الفكري لكن حين تعود إلى أرض الواقع تجد مسببات السعادة.
بورك هؤلاء الوافدون الجدد