الدكتور الدافري على ميدي1: من معركة الإدراج إلى رهانات الصون والاستثمار.. القفطان المغربي ينتصر أمميا
سجّل المغرب انتصارًا ثقافيًا وتاريخيًا جديدًا بعد إعلان اللجنة الحكومية الدولية لمنظمة اليونسكو، خلال اجتماعها المنعقد بالعاصمة الهندية نيودلهي يوم الأربعاء 10 دجنبر 2025، عن إدراج “القفطان المغربي: فن وتقاليد ومهارات” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية. اعتراف أممي حاسم أنهى سنوات من الجدل، وثبّت بالوثيقة والحجة الانتماء التاريخي لهذا الزي العريق إلى المملكة المغربية.
هذا القرار لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة عمل دبلوماسي وثقافي مغربي دقيق، استند إلى آليات قانونية وتقنية صارمة تعتمدها اليونسكو، وأثبت التجذر التاريخي للقفطان في المغرب على مدى اثني عشر قرنًا، بوصفه تعبيرًا عن هوية ثقافية متجذرة ونتاجًا لإبداع حرفي مغربي أصيل.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور أحمد الدافري، الخبير في الثقافة والفنون، أن تسجيل الملف تم بعنوان واضح وصريح لا لبس فيه، وهو “القفطان المغربي: فن وتقاليد ومهارات”، وهو عنوان لم يسبق أن ورد في أي ملف آخر لدولة مختلفة، ما حسم بشكل نهائي مسألة النسبة والملكية الثقافية لهذا التراث غير المادي.
وأضاف أن الآليات القانونية التي اعتمدها المغرب استوفت بدقة المعايير المعتمدة لدى اليونسكو، وفي مقدمتها التعريف الشامل والدقيق للقفطان باعتباره فنًا وصناعة وابتكارًا، يقوم على تفاعل معقد بين المهارات الحرفية والإبداع الجمالي. كما تم إبراز الأهمية المجتمعية لهذا الزي، وارتباطه الوثيق بالطقوس الاجتماعية والاحتفالية للمغاربة، من الأعراس إلى المناسبات الرسمية، باعتباره عنصرًا حيًا في الذاكرة الجماعية.
وأشار الخبير ذاته إلى أن أحد المعايير الحاسمة تمثل في تقديم خطة صون واضحة ومفصلة، تبرز الإجراءات العملية التي يلتزم المغرب بتنفيذها لضمان استمرارية هذا التراث، إضافة إلى إدراج القفطان ضمن الجرد الوطني للتراث الثقافي غير المادي، وتوثيق انتشاره الإقليمي والدولي عبر المعارض والمنتديات والأبحاث التاريخية المدعمة بالصور والشهادات.
وحول محاولات التشويش التي رافقت مسار الإدراج، شدد الدكتور الدافري على أن اللجنة الحكومية الدولية تمكنت من دحضها بسهولة، مؤكدًا أن مفهوم “التراث المشترك” لم يرد لا من قريب ولا من بعيد في النص الرسمي للملف، وأن أي تعديلات سابقة على ملفات أخرى لا تتضمن أصلًا لفظ “قفطان”، ما يجعل كل الادعاءات الإعلامية المضادة بلا أساس قانوني أو توثيقي.
وبانتقال القفطان المغربي إلى قائمة اليونسكو، يدخل المغرب مرحلة جديدة تتجاوز التوثيق نحو الصون والاستدامة. فحسب الخبير، يفرض هذا الاعتراف التزامات دولية واضحة، في مقدمتها العناية بالحرفيين والصناع التقليديين، من خلال الدعم المالي والتقني، وتمكينهم اقتصاديًا، ومواكبتهم داخل ورشاتهم، إضافة إلى إحداث وسم مغربي رسمي يحمل اسم المغرب وختم اليونسكو لحماية القفطان من التقليد والتزوير.
كما تشمل خطة الصون إدماج هذه الحرفة ضمن مناهج التكوين المهني والبيداغوجي، مع الاستفادة من التقنيات الحديثة في التصميم والتطريز والعصرنة، بما يضمن انتقال المهارات عبر الأجيال دون فقدان روحها الأصيلة.
وفي أفق استثمار هذا النجاح، يرى الدكتور الدافري أن تجربة القفطان يمكن أن تشكل نموذجًا يُحتذى به لتسجيل عناصر تراثية مغربية أخرى، من بينها الزليج المغربي، والطقوس الاحتفالية والمواسم، إضافة إلى غنى المطبخ المغربي بما يحمله من أطباق وطقوس مرتبطة بالهوية، من الحريرة والبسطيلة إلى الطنجية والسفوف والزميتة، فضلًا عن تنوع المطابخ الجهوية.
أما على المستوى السياحي والاقتصادي والثقافي، فإن هذا الاعتراف الأممي، الذي حظي بمتابعة إعلامية دولية واسعة، يفتح آفاقًا جديدة للترويج للمغرب كوجهة ثقافية، وربط السياحة بمسارات التراث الحي، بما يتيح للزوار التعرف على القفطان المغربي، اقتناءه، وفهم عمقه التاريخي والجمالي.
هكذا، لا يشكل إدراج القفطان المغربي في قائمة اليونسكو مجرد تتويج رمزي، بل محطة استراتيجية تؤكد قدرة المغرب على الدفاع عن تراثه، وتحويل ثقافته إلى قوة ناعمة فاعلة في عالم تتزايد فيه معارك الهوية والذاكرة.