إدريس شحتان يكتب: مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة ..ميساج عقلاني

بقلم: ادريس شحتان الثلاثاء 02 ديسمبر 2025

ليس سرًّا أن قطاع الصحافة في المغرب يعيش مرحلة دقيقة، مرحلة يمكن وصفها بأنها عتبة ثانية في مسار بناء التنظيم الذاتي للمهنة. فالتجربة الأولى، التي دشّنها المجلس الوطني للصحافة منذ سنوات، لم تكن نموذجًا نهائيًا بقدر ما كانت مرحلة تأسيسية شاقة، تطلّبت من الرعيل الأول مجهودًا هائلًا لفتح الطريق. ولهذا، فإن أول ما يتوجّب علينا اليوم هو الاعتراف لهم بما بذلوه من جهد، لأنهم وضعوا اللبنات الأولى لتنظيمٍ لم تعرفه الممارسة الصحافية المغربية في تاريخها الحديث.

اليوم، ونحن نقف أمام مشروع قانون جديد يناقَش في البرلمان- وقد صوّت عليه مجلس النواب بعد المصادقة عليه في مجلس الحكومة ، وهو مطروح الآن أمام مجلس المستشارين في أفق المصادقة النهائية عليه - نجد أنفسنا، كجمعية وطنية للناشرين، مضطرين لتوضيح روح هذا المشروع، لا من باب الدفاع فقط، بل من باب الوفاء للحقيقة المهنية التي نشتغل من أجلها.

لماذا ندافع عن هذا المشروع؟

لأننا نؤمن أن المغرب يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى مجلس وطني للصحافة أكثر نضجا، أكثر ديمقراطية وأكثر قدرة على مواكبة التحولات العميقة التي تعرفها المهنة.

لقد تغيّرت بنية الإعلام وتغيّر الجمهور، وتغيّرت التكنولوجيا، وظهرت فئات جديدة من الفاعلين لم تكن موجودة قبل عقد من الزمن: اليوتيوبر، صانع المحتوى، المؤثّر الرقمي…

هؤلاء اليوم يؤثرون في جزء من الرأي العام ولهم جمهورهم. وإذا لم نستطع، نحن أبناء المهنة، صياغة قواعد واضحة للانتماء المهني- من هو الصحافي؟ من هو صانع المحتوى؟ ما حدود كل مجال؟ وما مسؤولياته؟- فإننا سنترك الباب مشرعًا للفوضى، وسيتحوّل المجال الإعلامي إلى فضاء بلا معيار ولا أخلاق مهنية.

لقد راجت في الأيام الأخيرة مقولات كثيرة، بعضها مبني على سوء فهم، وبعضها الآخر على تأويلات خاطئة أو مواقف مسبقة. قيل إن المشروع "يقوّض استقلالية المجلس، وإن الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين "تسعى للهيمنة"، وأن تنظيم المهنة "سيُقصي" فئات معيّنة، من المقاولات الصحافية أو الصحافيين المهنيين... كل هذه الادعاءات غير صحيحة ولا تستند إلى وقائع. والأدهى أنها لا تُناقِش النصّ كما هو، بل كما تتصوّره.

نحن، في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين، لم نتعامل مع المشروع بوصفه "معركة مواقع"، بل بوصفه لبنة جديدة في بناء مؤسسة مستقلة، مؤسسة نريدها أن تكون: أكثر تمثيلية، أكثر فعالية، أقل بيروقراطية وأعمق ارتباطًا بروح المهنة. ولم نكن في يوم من الأيام ضد التجربة السابقة، بل اعتبرناها مرحلة تأسيس ضرورية. الآن، يدخل التنظيم الذاتي مرحلة الارتقاء، لا الإلغاء.

لأول مرة، يتضمّن تصورُنا للتنظيم الذاتي حماية حقيقية للمقاولة الصحافية، سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة. نريد بيئة مهنية تستطيع فيها المقاولات الصغرى الجادة أن تتقوّى وتُهيكِل نفسها، وأن تصعد المقاولات المتوسطة الجادة نحو مستوى أعلى من الاحتراف وأن تتحول المقاولات الكبرى إلى فاعل قادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا، والسبب بسيط يتمثل في أن لا صحافة قوية بدون مقاولة قوية ومهيكلة .

لقد وضعنا نصب أعيننا منذ تأسيس الجمعية، بدعم من الوزارة الوصية وشركائنا المؤسساتيين، أن يكون للصحافي مكانة اجتماعية تليق بدوره. ولذلك اقترحنا لأول مرة ولازلنا متشبثين بمقترحاتنا :

الرفع من الأجور بشكل تدريجي، اتفاقية جماعية جديدة تُعزّز الحقوق والضمانات، تعميم الاستفادة من بطاقة القطار، الاستفادة من الشهر الثالث عشر، بالإضافة إلى مجموعة من الامتيازات الاجتماعية التي ستُعلن تباعًا، هذه إجراءات لا نعتبرها «ترفًا اجتماعيًا»، بل استثمارا في كرامة المهنيين.

إن هدفنا الأكبر واضح ولدينا مشروع طموح نجمله في: تقوية التنظيم الذاتي للمهنة بوصفه حجر الأساس الذي يحدّد: من هو الصحافي؟ من هو اليوتيوبر؟ من هو المؤثّر؟ ومن يتحمّل المسؤولية المهنية؟ وفق أي قانون؟ وأمام أي مؤسسة للمساءلة؟.

وأعيد التأكيد أننا لسنا ضد أحد. لسنا في حرب مع أحد. نحن فقط نريد مجالًا واضحًا، يحفظ للصحافة مهنيتها، وللجمهور حقّه في معلومة موثوقة، وللمهنة كرامتها.

لقد قيل الكثير في الأسابيع الأخيرة بسوء نية وتم تضخيم بعض التفاصيل، وتجاهُل الجوهر. والجوهر هو أن المغرب يضع اليوم أسس جيل ثانٍ من التنظيم الذاتي، أكثر نضجًا واستقلالية. وهذا المشروع أكبر بكثير من سجالات الساعة، وأبعد مدى من التفاصيل الصغيرة التي تشغل النقاش العام. إنه مشروع لإعادة الاعتبار للمهنة، ولبناء مؤسسة قوية، ولخلق جسور بين الفاعلين المهنيين، ولإعداد قطاع إعلامي يستوعب التحديات الرقمية المقبلة.

نحن في الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين نؤمن بأن المستقبل يحتاج إلى شجاعة. نحتاج إلى أن نؤمن بأن الإصلاح ممكن، وأن التنظيم ليس «قيدًا» بل شرطا للحرية.

واثقون أننا نسير، بشراكة مع الوزارة الوصية ومع كل المهنيين، نحو مجلس وطني للصحافة أكثر تطورًا، أكثر ديمقراطية، وأكثر قدرة على حماية المهنة وممارسيها. والأهم: مجلس لا يشبه التجارب السابقة، بل يبني عليها، ويذهب أبعد مما وصلت إليه والهدف الأسمى الدفاع عن حقوق المقاولات الإعلامية والرفع من منسوب استقرارها المادي وضمنه الاهتمام بجوهر العملية الإعلامية الصحافي الذي يشتغل بنكران كبير للذات، ولا داعي أن نذكر من في قلبهم مرض، ماذا حققت الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين من أجل المقاولة الإعلامية ومن أجل الصحافي دون أن ننسى بصمتنا الكبيرة من أجل تنظيم قطاع الصحافة الرياضية، الكراسي لا تهمنا ومن يعتقد عكس ذلك انتظروا المفاجأة قريبا..