بينما دعا الملك محمد السادس، في توجيهات واضحة، إلى إرساء مقاربة تشاركية تقوم على الحوار بين المسؤولين الترابيين والفاعلين المدنيين والمواطنين، بغرض صياغة برامج تنموية واقعية ومندمجة، ما تزال بعض الممارسات داخل الحقل المحلي تناقض هذه الروح الإصلاحية. فبدل البناء على الثقة والمواطنة، يستمر عدد من المنتخبين في توظيف هشاشة المواطنين ــ وخاصة النساء ــ لخدمة حسابات انتخابية ضيقة.
هذا هو حال ما يجري في دائرة اليوسفية بالرباط. فقد أقدم مستشار جماعي معروف على “فبركة” جمعية لا تتوفر على أي أهلية قانونية، ودفع بها إلى تسيير الأنشطة الموجهة للنساء في وضعية هشاشة داخل المركز متعدد التخصصات “أبي رقراق”، التابع للتعاون الوطني. الجمعية التي جرى تشكيلها على عجل، ومن دون استكمال مساطر تأسيسها، ضخت فيها نساء تم تجميعهن منذ شتنبر 2025، أغلبهن ممن يوصفن في المنطقة بـ“عاملات الانتخابات”، ليقدم لهن المركز كفضاء للتكوين والأنشطة المدرة للدخل.
لكن افتقار الجمعية لأي خبرة ميدانية أو رؤية تدبيرية، إضافة إلى غياب أهلية قانونية، أدى سريعا إلى تعثر تدبير المركز. فبعد البداية المتحمسة، اصطدمت عضوات الجمعية بفوضى تنظيمية ومالية، لا سيما بعدما تراجع المنتخبون الداعمون لهذه الخطوة عن وعودهم بتمويل المركز وتسييره، نتيجة خلافات انتخابية بينهم. ومع توقف هذا الدعم، ارتبكت عملية إدارة الورشات، وتعطلت مصالح المؤطرات، اللواتي لم يتقاضين مستحقاتهن، وتضررت المستفيدات اللواتي يفترض أن يستفدن من خدمات في الطبخ والخياطة والحلاقة مقابل مبالغ تتراوح بين 50 و100 درهم.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
الأخطر من ذلك أن مؤسسة التعاون الوطني ــ باعتبارها الوصية على المركز ــ قدمت دعما غير مفهوم لهذا المسار، وسمحت لجمعية غير قانونية باستغلال فضاء عمومي تم تجهيزه بتمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. وهو ما يطرح تساؤلات حول المسؤولية المؤسساتية، وكيفية مراقبة طرق تدبير المراكز الموجهة للفئات الهشة.
ومع تزايد الضغوط، وتنامي الاحتجاجات من فاعلين جمعويين ــ بينهم جمعية كانت هي الشريك الرسمي للمركز لسنوات ــ بدأ المستشار الجماعي نفسه يسابق الزمن لوضع جمعية جديدة بديلة بعد فشل الجمعية “المفبركة” التي زج بها في المركز. هذا المسعى المتأخر يعكس محاولة للالتفاف على الفوضى، التي خلفها الاستعمال الانتخابي للمركز، بدل مواجهة المسؤولية أو العودة إلى مقاربة مؤسساتية تراعي القانون والخبرة.
الارتباك في تدبير المركز انعكس بوضوح على ثقة النساء؛ فبالرغم من أن قدرة الاستيعاب تصل إلى 100 مستفيدة، لم تلتحق فعلياً سوى 35 امرأة. وهذا الرقم يكشف حجم النفور من الأنشطة التي يُنظر إليها كواجهة لاستمالة انتخابية أكثر منها مبادرة اجتماعية جادة.
وتحول المركز، الذي يفترض أن يكون رافعة للتكوين والتمكين، إلى بؤرة توتر اجتماعي. فقد اشتد الخلاف بين المديرة التابعة للتعاون الوطني وبين عضوات الجمعية والأطر المؤطرة، ووصل حد تحرير محضر رسمي لدى الشرطة، بحسب مصادر محلية. كما عبّرت الساكنة عن استيائها من “الافتتاح الفجائي” للمركز، الذي بدا مرتبطا بـ“حملات تسخينية” انتخابية أكثر من ارتباطه بتقديم خدمة عمومية.
إن ما يجري في مركز أبي رقراق يمثل نموذجا صارخا لاستغلال عمل جمعوي هش من أجل تحقيق مكاسب سياسية آنية، في تناقض كامل مع التوجيهات الملكية التي تجعل من التنمية ورشا قائما على الشفافية والمواطنة والمسؤولية. كما يكشف عن خلل مؤسساتي يتطلب مساءلة كل من سمح باستعمال فضاء عمومي خارج الأطر القانونية.
إن التعامل مع الفئات الهشة، وخاصة النساء، بمنطق “الأداة الانتخابية” لا يمكن أن يندرج ضمن مسار التنمية المواطنة، ولا ينسجم مع روح المبادرات الملكية الداعية إلى تمكين اجتماعي حقيقي، لا إلى توظيف مؤسسات عمومية في صراعات انتخابية. المطلوب اليوم هو إعادة ضبط التدبير، وتحقيق مراقبة فعالة على هذه الفضاءات، وضمان أن تظل المبادرات الاجتماعية أداة للكرامة والتمكين، لا منصة لمناورات انتخابية ضيقة.