لعله مات مثلما عاش، بهدوء كامل وتام. أحس بضيق في صدره، استحمّ، وطلب قليل وقت لكي ينام ويستريح، وعندما أرادوا إيقاظه، وجدوه داخل نومه الأبدي والنهائي، مقررا، بهدوء هو وحده يعرف سر الحفاظ عليه، أن يرتاح، لكن هذه المرة، بشكل أخير وتام.
عندما هاتفني زميلي محمد العدلاني، لكي يقول لي "كريم كفال في ذمة الله"، لم أفهم الجملة، رغم أنها بسيطة جدا، بل هي موغلة في البساطة حد الفداحة والوقاحة، وحد كل الازدراء.
قلت له "مافهمتش"، أجابني ببداهة أفدح "هاد الشي اللي عطا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون".
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
استعدت مشهد كريم حين رأيته أول مرة، في الامتحان الذي أجرته "الأحداث المغربية" من أجل الالتحاق بها منذ سنوات: كنت مراقبا في ذلك الامتحان، وأمضيت يوما كاملا مع شبان، ومع آخرين غير شبان، أتوا من أجل اختبار حظهم وكفاءاتهم لدخول هذا الميدان الغريب والعجيب، المسمى الصحافة، والذي يزداد غرابة وعجبا في المغرب.
احتفظت بوجه كريم في ذاكرتي، دون سبب واضح، وعندما أتى لاجتياز الاختبار الشفهي، وكان رفقته صديقه الذي لم يفارقه أبدا بعدها، زميلنا أنس بن الضيف، قلت له "كنت أعرف أنك ستنجح في الكتابي"، فأجابني باستحياء وبهدوء "يلا كمل ربي بالخير أنا راني متأكد غادي نلتحق بالأحداث"، وكذلك كان .
اشتغل معنا بعدها كريم في أقسام مختلفة، وعندما أطلقنا من جديد موقع "أحداث.أنفو" سنة 2014، التحق طواعية بالموقع، وبقي في الطابق الثالث مواظبا على العمل، جديا في كل المقالات والمواد، محققا حوله إجماع الاحترام من طرف الجميع.
الاحترام، هذه الكلمة /السر تلخص كل شيء في حياة زميلنا محمد كريم كفال الذي غادرنا عن سن الخامسة والأربعين، الأحد الماضي، إثر أزمة قلبية مباغتة.
الاحترام كلمة نبحث عنها داخل هذا المشهد الصحافي المغربي، ولحسن الحظ نجدها لدى قلة قليلة قابضة على جمرها، في مقدمتها صديقنا كريم.
الاختلاف بأدب ورقي، تقبل القرارات حتى تلك التي قد لايتفق معها، التعبير بهمس خافت عن الرأي، الاهتمام بأحوال الجميع كبارا وصغارا هنا داخل الجريدة الورقية، وداخل الموقع.
لذلك كانت كلمة الزميلات والزملاء يوم التشييع واحدة "ماشي ديال هاد الدار الدنيا"، قبل أن يضيفوا بتسليم كامل وإيمان مطلق "ماشي خسارة فاللي خلقو".
هذا الصيف قرر كريم أن يرتاح، وأن يترك لنا مكانه فارغا في الطابق الثالث نتذكر به عبوره الجميل بيننا، نترحم عليه، نعزي أنفسنا وعائلته فيه، ونتلقى من خلال هذا الغياب المؤلم درسا آخر من دروس حياة لاتكف عن تعليمنا يوميا، ولانكف نحن عن تمثيل دور التلميذ الغبي والكسول الذي لايريد استيعاب أي درس من الدروس.
كريم، وداعا، كنت رفقة طيبة، نشهد الله على ذلك، وكنت نعم الأخ ونعم الزميل.
رحمك الله.