بلغنا مؤخرا تصريح السيد عبد الإله ابن كيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وهو يطل علينا بنصيحة “ذهبية” مفادها أن الزواج أجدى للفتاة من التعليم، مشبها النساء غير المتزوجات بطائر “بلارج”. تصريح لا يمكنه إلا أن يثير الغضب والاستنكار. حيث أن ما تفوه به السيد الأمين العام ليس مجرد زلة لسان لأن الزلة عندما تتكرر تصبح خطأ لا يغتفر، وما أكثر زلاته وأخطائه في حق المرأة المغربية. تصريحه يمس جوهر حقوق الإنسان ومبدأ المساواة، ويضرب في العمق عقودا من النضال خاضتها الحركات النسائية الحقوقية في المغرب، كما خاضتها إلى جانبها الطبقة المثقفة من رجالات هذه البلاد، وكل القوى الحية التي تحمل هم النهوض بحقوق المرأة وتحقيق المساواة المنشودة لما فيه صالح كل مكونات مجتمعنا. إذن كما قلت، التصريح لا يمكن اعتباره زلة لسان بقدر ما هو تحقير صريح للمرأة وانتهاك صارخ لحقوقها الأساسية التي كفلها لها دستور المملكة والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
بداية، دعنا نذكر، السيد الأمين العام المحترم، أن التعليم ليس رفاهية ولا خيارا تفاضليا يمكن استبداله بالزواج بل هو حق أساسي لكل مواطن ومواطنة. هو مفتاح التحرر والتمكين، هو الوسيلة لكل تنمية بشرية وقاطرة لكل تقدم اجتماعي واقتصادي. تصريحه اليوم مقللا من أهمية التعليم هو دعوة صريحة للجهل، ولإقصاء نصف المجتمع من مسيرة التنمية والتقدم. أي منطق هذا الذي يرى في جهل المرأة فضيلة، وفي علمها “خطراً” قد يؤدي بها إلى الوحدة؟
أي منطق يقبل أن يحرم نصف المجتمع، أي النساء، من سلاح المعرفة والتمكين؟ كيف يمكننا بناء مجتمع قوي، قادر على مواجهة تحديات العولمة والتنمية، إذا كانت عقول بناته حبيسة أفكار بالية عفا عليها الزمن؟ التعليم هو الذي يفتح الآفاق، يصقل المواهب، ويمنح المرأة القدرة على الاستقلالية الاقتصادية والفكرية، وعلى المساهمة الفاعلة في محيطها الأسري والاجتماعي والمهني.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
أما عن وصفه المرأة غير المتزوجة بطائر البلارج الذي يعيش وحيدا، فهذه لعمري إهانة ما بعدها إهانة ومحاولة لترهيب النساء ودفعهن لقفص الزوجية حتى لو كان ذلك على حساب طموحاتهن الشخصية والعلمية، بل هو مس صريح بكرامة المرأة وبإنسانيتها. المرأة ليست لقلاقا يتنظر شريكا ليكتمل وجوده. المرأة كائن مستقل، له كرامته، له كيانه، له طموحاته التي تتجاوز بكثير حصرها في دور الزوجة أو الأم. الزواج لا يجب أن يتم على حساب الكرامة والحرية والاختيارات الشخصية الحرة التي تقوم بها المرأة برضاها، فقيمتها لا تقاس بوجود رجل في حياتها وكأنها مجرد تابع أو وظيفة بيولوجية.
كثيرات هن النساء اللواتي اخترن مسارا تعليميا ومهنيا ولم يسعفهن الحظ في إيجاد شريك مناسب لهن ومع ذلك يعشن حياة مليئة بالعطاء، محاطات بالدعم والحب من عائلاتهن، ويتركن بصمات واضحة في مجتمعاتهن دون أن يكون الزواج شرطا لسعادتهن أو كمالهن. نحن طبعا مع الزواج ولكن أبدا لن نقبل به على حساب التعليم أولا والاستقلالية المادية والمساهمة الفعالة في بناء المجتمع. والمنطق والعقل والواقع يقولون أن الوحدة ليست حكرا على العازبات كما السعادة ليست حكرا على المتزوجات. كم هن الأرامل اللواتي يعشن وحيدات اليوم وأبناؤهن يتواجدون بعيدين عنهن أو ربما لم يرزقهم الله بأولاد. كم هن كثر النساء اللواتي تابعن دراستهن وحصلن على مستويات وظيفية عليا وفضلن عدم الزواج للعناية بوالدين في آخر العمر أو بإخوة وأخوات في مقتبله. هناك نساء متزوجات يعشن في عزلة داخل بيوتهن دون أن يمنحهن الزواج بالضرورة السعادة أو يملأ عليهن حياتهن. لذلك فالقول بوحدة المرأة ك”بلارج” هو محاولة لترسيخ النمطية الجندرية ومحاربة لحق المرأة في تقرير مصيرها.
أن يأتي اليوم أمين عام لحزب صوت على دستور المملكة بكل ما يتضمنه من تصدير ينص على المساواة ومن مواد تفصل أوجه هذه المساواة ويقول لنا كلاما من هذا القبيل وهو المفروض فيه أن يلتزم بمقتضياته بل أن يساهم في تنزيلها خصوصا وأنه كان أول رئيس حكومة تم تعيينه مباشرة بعد دخول هذا الدستور حيز التنفيذ، ويخرج بتصريح كهذا وبتشبيه أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه إهانة وسبة في حق المرأة المغربية. إن تصريحا من هذا القبيل يستوجب اعتذارا لكل النساء المغربيات اللواتي، من الضروري تذكيره بذلك، سيضلن صامدات في نضالهن من أجل الحقوق الكاملة والمتساوية ومن أجل أن يظل تعليم الفتاة حقا مقدسا لا يمكن المساس به أو المساومة عليه أو تحقيره بتشبيهات مهينة كالتي تفوه بها السيد الأمين العام.
على السيد ابن كيران أن يعي أن زمن “البلارج” المقهور قد ولى، وأن المغربيات، متعلمات وغير متعلمات، متزوجات وعازبات، يطمحن إلى فجر جديد، فجر تسود فيه قيم الحرية والكرامة والعدالة، وحيث يكون التعليم حقاً مقدساً لا يمكن لأحد أن يساوم عليه، أو أن يقلل من قيمته في بناء أمة قوية ومتقدمة. وقبل أن أختم مقالي أتساءل ترى ما موقف نساء حزب العدالة والتنمية من هذا التصريح الداعي لتفضيل الزواج على التعليم وتبخيس أهمية هذا الأخير؟
مع كامل الاحترام للسيد بنكيران وشديد الرفض لخطابه.
* عضوة المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية رئيسة لجنة المساواة وحقوق النساء