ضعف الانخراط البنكي في المغرب.. عائق أمام التنمية

بقلم إدريس الفينة* الخميس 10 يوليو 2025
No Image

رغم التطورات التي شهدها القطاع البنكي المغربي خلال العقدين الأخيرين، لا يزال معدل الانخراط البنكي للمواطنين في المغرب ضعيفاً مقارنة بدول صاعدة مماثلة من حيث المستوى الاقتصادي والديموغرافي. فبحسب أحدث بيانات بنك المغرب، لا يتجاوز معدل امتلاك الحسابات البنكية نسبة 58% من مجموع السكان البالغين، وهو رقم أدنى بكثير من المتوسط في دول مثل ماليزيا (92%) أو كولومبيا (82%)، علماً أن المغرب يسعى إلى ترسيخ مكانته ضمن الدول الصاعدة.

هذا الرقم، على محدوديته، يعكس بوضوح فجوة هيكلية بين القطاع المالي والمجتمع المغربي. اللافت أن هذا المعدل يكاد يتطابق مع نسبة التمدن في المغرب (حوالي 64%)، ما يشير إلى أن التغطية البنكية تكاد تقتصر على الوسط الحضري، في حين أن الوسط القروي، الذي يضم حوالي 36% من السكان، لا يزال مهمّشًا مالياً.

الأسباب الهيكلية وراء ضعف الشمول البنكي

1. العزلة المالية للوسط القروي

يغيب التوزيع العادل للفروع البنكية عن القرى والمناطق النائية، إذ تركز الأبناك استثماراتها في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية والنشاط الاقتصادي المرتفع. فالمقاربة الربحية الضيقة تجعل من الوسط القروي مجالاً “غير ذي جدوى تجارية”، مما يعمق الفجوة بين المناطق ويحدّ من شمولية النظام المالي.

2. ضعف الاندماج المهني والاجتماعي

يشكل القطاع غير المهيكل في المغرب أكثر من 44% من سوق الشغل بحسب تقرير المندوبية السامية للتخطيط، مما يعني أن شريحة واسعة من العاملين لا تملك مداخيل ثابتة أو وثائق قانونية تعزز ولوجها إلى الخدمات البنكية، ولا سيما القروض والادخار والاستثمار.

3. غياب الحوافز والثقة

العديد من المواطنين، خصوصاً في الأوساط الشعبية، لا يرون فائدة ملموسة في الانخراط البنكي، إما بسبب ضعف التثقيف المالي، أو بسبب تجارب سابقة سلبية مع الأبناك (كارتفاع الفوائد أو تعقيد الإجراءات). أضف إلى ذلك محدودية المنتجات البنكية المصممة خصيصاً للفئات الهشة أو ذات الدخل المتغير.

الآثار الاقتصادية لضعف الانخراط البنكي

إن ضعف شمولية النظام البنكي ينعكس سلباً على الدورة الاقتصادية الكلية من ثلاث زوايا رئيسية:

• الادخار الوطني:

غياب شريحة كبيرة من المواطنين عن المنظومة البنكية يحرم الاقتصاد من نسبة هامة من المدخرات الممكن تعبئتها وتوجيهها نحو الاستثمار. فمعدل الادخار الإجمالي في المغرب لا يتجاوز 26% من الناتج الداخلي الخام، وهو معدل متدنٍ مقارنة بالمعايير الدولية للدول الصاعدة.

• الاستثمار والإقراض:

تقلّص قاعدة العملاء البنكيين يُقلّل من فرص توسيع قاعدة الإقراض، خاصة التمويل الصغير والتمويل المقاولاتي، مما يؤثر على دينامية خلق المشاريع وفرص الشغل، ويعيق التمكين الاقتصادي للفئات الهشة.

• الاستهلاك المنظم:

غياب التمويل البنكي المنظم يدفع الأسر ذات الدخل غير القار إلى اللجوء إلى أنماط تمويل غير رسمية (مثل السلف العائلي أو المرابين)، وهو ما يجعل الإنفاق الاستهلاكي خارج دائرة الرقابة الاقتصادية ويُضعف من قدرة الدولة على التخطيط المالي.

نحو شمول مالي حقيقي: ما السبيل؟

لكي يتمكن المغرب من مواكبة أهدافه التنموية، لا بد من معالجة هذا الاختلال البنيوي عبر استراتيجيات متعددة:

• نشر البنية التحتية البنكية الرقمية في القرى، عبر دعم المصرفية المتنقلة (Mobile Banking) والخدمات الرقمية المبسطة خصوصا الابناك العمومية كالقرص الفلاحي وبريد بنك.

• خلق منتجات مالية مخصصة للعمال غير المهيكلين والفلاحين الصغار، مثل حسابات الادخار بدون مصاريف وقروض صغرى مرنة.

• تحفيز الأبناك عبر إعفاءات ضريبية أو برامج دعم حكومي مقابل فتح فروع في المناطق المهمشة.

• تعزيز التثقيف المالي في المدارس والإعلام لفهم آليات التعامل مع النظام البنكي وإدماجه في الحياة اليومية.

توقعات :

عام 2035 هو الأفق الزمني التقريبي لتحقيق شمولية مصرفية بنسبة 95% في المغرب ، في حال ظل معدل التقدم السنوي ثابتًا عند ~4.1 نقطة. وهو ما يتطلب تعجيل وتطوير المبادرات الرقمية والحد من معوقات الوصول للابناك.

خبير اقتصادي *