منذ أيام كنت لدى زميل صحافي في مكتبه بالرباط، ورن جرس هاتفه. أجاب، فوجد على الجانب الآخر من الخط فنانا مشهورا، ينتمي مثلنا، إلى الجنوب القصي.
لم تكن المكالمة من أجل خبر فني أو ماشابه. كانت من أجل طلب توسط ما لكي تجد أخت ذلك الفنان طريقة لعلاج كسر ألم بها في قريتها، ولم تجد في المستوصف طبيبا يعالجها، ولا آلة "سكانير" تكشف لها مدى خطورة الكسر، ولا سيارة إسعاف تنقلها إلى أقرب مدينة للقرية التي تقطن فيها، خلال مدة لاتقل عن ثلاث ساعات.
تبادلنا معا بعد انتهاء المكالمة، نظرات العجز الحزين، ونظرات الألم اللاينتهي، لأن المكالمة أتت ونحن نتحدث عن التغير الكبير الذي تشهده العاصمة، وعن التطور العمراني الرائع والجميل فيها.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
لعلني بعد ذلك في زحمة اليومي وانشغالاته، نسيت ماوقع، ولم أتذكره إلا وأنا أقرأ وأتابع أخبار ساكنة آيت بوكماز التي ضاق بها الحال أيما ضيق، فقررت الذهاب راجلة حتى عمالة أزيلال للمطالبة بأبسط حقوقها وأكثرها ضرورية: حقوق العيش الكريم.
مع مطالب مثل هاته لايمكن إلا تكون متضامنا وموافقا، ومصرا على إيصال أصوات هؤلاء المغاربة الذين لايمكن أن يسير قطار التنمية في البلد دونهم.
هل نحن مقصرون تجاه المغرب العميق؟
الجنوبي القاطن بين ثنايا أضلعي، والذي يصر بين الفينة والأخرى على زيارة "البلاد" حفاظا على صلة الرحم مع ترابها والأرض يجيب : نعم.
هل الأمر مقصود؟
العقل يجيب : لا، فالإكراهات كثيرة ومتعددة، لكنها -أبدا - لاتشرعن ترك قرية مثلا دون مستشفى حقيقي بأطباء فعليين وبممرضين حقيقيين وبتجهيز حقيقي من أجل الاستجابة لحاجة الناس للاستشفاء .
لايمكن أيضا ترك مكان بعيد، فقط بحجة أنه بعيد، دون بقية مرافق الحياة الضرورية الأخرى كلها (من المدرسة حتى الإدارة بمختلف تمظهراتها).
ومثلما يعيش مواطن المدن الكبرى في المغرب حياة الانتقال نحو عصر آخر، من حق مواطن القرى والمداشر و "الكصورا"، والمدن الصغرى والبوادي النائية عيش نفس الوضع تماما، لكي لانكون كاذبين عندما نتحدث عن مواطني المغرب السواسية والأشباه، والممتلكين لنفس الحقوق، والخاضعين لنفس الواجبات.
الحكاية هنا فوق المزايدات الحزبية أو السياسية أو الحكومية، والحكاية هنا فوق لعبة الأغلبية والمعارضة.
الحكاية هنا هي حكاية مغرب واحد، يجب أن يعيش فيه مغاربة يشبهون بعضهم البعض في كل شيء…قدر المستطاع طبعا.
وهم يسيرون على الأقدام من مكان ناء إلى مكان أبعد منه، نجح سكان آيت بوكماز في تذكيرنا بأن لدينا واجبات تجاه مواطنين لنا لايجب أن ننساها، ولايجب أن نتغاضى عنها حتى تتحول إلى أمور أخرى لانريدها ولا قبل لنا بها.
هذا صوت مواطنين مغاربة وصلنا جميعا، ويجب أن يجد الرد العاقل والمناسب على كل المطالب المشروعة، فلن يسير البلد إلى الأمام إلا على قدميه الإثنتين: قدم مدننا الكبرى السائرة نحو تحديث نشجعه ونرى فيه علامة تقدم لما نحلم به، وقدم قرانا وبوادينا التي يجب أن يمسها من الحب جانب، ويجب أن يحيا ساكنوها بنفس الإحساس الذي يخامر مواطنيهم من ساكنة المدن وهم يرون التغير الكبير الحاصل في حواضرهم.
وصلت رسالة سكان آيت بوكماز، وعلى الحكومة الرد العاجل والعاقل والناجع دون تأخر، والسلام.