من عيساوة إلى أحيدوس، ومن أحواش إلى الكدرة، ترقص مراكش هذا الأسبوع على أنغام التاريخ، وتغني روح المغرب في أجمل لحظاتها.
فوسط الأهازيج المختلفة اللهجات، ودقات الطبول وصيحات الفرح الشعبية، انطلقت مساء الخميس 3 يوليوز 2025 الدورة الرابعة والخمسون للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بمدينة مراكش، في موكب استعراضي تقدمت فيه عشرات الفرق الفلكلورية من مختلف جهات المغرب، من عرصة مولاي عبدالسلام باتجاه قصر البديع، حيث جرى تنظيم سهرة تدريبية مميزة، إيذانا بانطلاق العروض الرسمية التي ستتواصل حتى السابع من الشهر الجاري.
وشهدت المدينة الحمراء لحظات احتفالية امتزجت فيها أصوات عيساوة الصادحة بدقات أحيدوس المترنمة، ورقصات أحواش المتناغمة مع إيقاع الكدرة الصحراوية بحركات راقصاتها الإيقاعية المتفردة، إلى جانب استعراضات الحصادة ورقصات نساء الأطلس المتوسط، وكلها جسدت لوحة حية نابضة بالهوية المغربية العريقة.
وخلال حفل الافتتاج جابت أكثر من 60 فرقة شعبية في موكب استعراضي شوارع المدينة، بدأ من ساحة قصر البلدية، وامتد نحو المعلمة التاريخية قصر البديع، الذي سيحتضن السهرات الكبرى للمهرجان. ومع حلول المساء وعلى امتداد أيام المهرجان، تتحول الساحات التي تحتضن العروض إلى مسارح مفتوحة تعج بالمتفرجين من الزوار وكذا سكان مراكش في لحظات اندماج فريدة مع التراث اللامادي المغربي.
ويأتي تنظيم هذا الحدث الثقافي المنظم بشراكة بين جمعية الأطلس الكبير ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع التواصل، وبدعم من مجلس جهة مراكش آسفي، والمجالس المنتخبة للمدينة، تكريسا لمسار بدأ قبل أزيد من أربعة عقود، احتفاءً بالثقافة الشعبية المغربية وترسيخا لذاكرة جماعية حية.
وخلال الموكب الاستعراضي، كانت عناصر الفرقة الصينية، قد حظيت باهتمام الجماهير على طول الطريق التي قطعها الموكب، في سياق حوار حضاري يتجاوز الجغرافيا.
بعد مشاركة الفرقة الصينية تقليدية في موكب الافتتاح، لتضفي على المشهد طابعًا تفاعليًا جميلاً، وترسم جسورًا للتلاقي الثقافي بين حضارتين ضاربتين في التاريخ.
قصر البديع.. ذاكرة تتجدد
السهرة التدريبية التي نظمت ليلة الخميس داخل أسوار قصر البديع الأسطوري لم تكن مجرد عرض تجريبي، بل بمثابة احتفال داخلي بالاستعداد والوفاء لتقاليد مستمرة منذ أكثر من نصف قرن.
على أرضية هذا القصر العريق، تمايلت الفرق الشعبية في تناغم بديع، مجسدة التقاليد والطقوس التي تراكمت على مدى قرون، فيما تناغمت الزخارف المعمارية للقصر مع نبض الدفوف والغناء ورقصات الركادة ونغمات الآلات التقليدية المغربية.
.
التراث في الساحات.. منصات للحياة اليومية
ولتعزيز انخراط سكان المدينة وزوارها، اختار المنظمون هذه السنة إنشاء ثلاث منصات عرض جديدة في ساحات ذات طابع شعبي وعمومي: ساحة مولاي الحسن – باب الجديد، ساحة الكركرات – حي المسيرة، وساحة الفن السابع في أكدال. ومن المنتظر أن تحتضن هذه الفضاءات أمسيات تفاعلية، تحتفي بالفن الشعبي بمختلف أنواعه، من رقصة الركادة الشرقية إلى الهواريات، مرورا بـعبيدات الرمى والدقة المراكشية.
ليلة النجوم.. تتويج لشخصية فنية مغربية
ضمن أبرز فقرات الدورة الحالية، تعود ليلة النجوم لتتألق من جديد بأمسية مخصصة للاحتفاء بوجه فني شعبي مغربي، وسط عروض تكريمية وإيقاعات تنبع من صميم القرى والمدن المغربية.
فن ينبض بالحياة
يؤكد المهرجان الوطني للفنون الشعبية في نسخته الـ54 أنه ليس مجرد تظاهرة فنية، بل فضاء لتجديد الصلة بالذاكرة الحية للمجتمع المغربي، ولتثمين التنوع الثقافي الذي يُعد من ثروات المملكة. وتحت شعار "التراث اللامادي في حركة"، يؤمن المنظمون بأن التراث الشعبي المغربي ليس جامدًا، بل يتطور مع الزمن ويجد لنفسه سبلا للتعبير في الحاضر، دون أن يتنكر لأصوله.
المهرجان يتواصل إلى غاية 7 يوليوز، والدعوة مفتوحة أمام عشاق الفن والتراث لاكتشاف أجمل ما في الثقافة الشعبية المغربية، في قلب مدينة تعشق الحياة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });