مغاربة أمريكا‎! ‎

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 03 يوليو 2025
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927
b0c9a127-8e1e-45c2-ab44-29ad026f7927

هؤلاء مغاربة يعيشون على بعد ثماني ساعات بالطائرة ويزيد عن المغرب، لكن البلد أقرب إليهم من ‏حبل الوريد، وهم يقولونها لكل من يلتقي بهم بكل حب: المغرب بلد يسكنك قبل أن تسكنه، والاعتقاد ‏أن الاغتراب عنه لسنوات قليلة أو كثيرة (بعضها يبلغ أربعين سنة لمغاربة التقيناهم هناك) كاف لكي ‏تنساه، هو بكل بساطة اعتقاد واهم‎. ‎

يتابع مغاربة أمريكا الشأن المغربي بكل تفاصيله، حتى الصغير منها. وقد أدهشنا عدد من بينهم لديهم ‏معرفة جد دقيقة بأمور محلية، قد تهم قرى ومدنا صغيرة نائية هنا، ما يشي أنهم يعيشون معلقين ‏باستمرار نحو الوطن ومختلف التطورات فيه، ويقدم الدليل على أنهم مغاربة كانوا، ومغاربة سيظلون ‏حتى الختام، بغض النظر عن الجنسية الأمريكية، وأوراق الإقامة والعمل، وبقية اللوازم الإدارية للحياة ‏هناك‎. ‎

اقتنع مغاربة العالم، وقد التقينا بممارسين لمهن مختلفة هناك، من اليدوي حتى الفكري منها، بطريقة ‏العيش الأمريكية القائمة على العمل الجاد والجدي يوميا، من أجل تحسين مستوى الدخل والعيش، ‏وانخرطوا، بالنسبة لأغلبيتهم، بسهولة في هذا المسار العملي الذي يجمع الأمريكيين والمقيمين فوق ‏أرض أمريكا، والذي يتيح لكل مجتهد حقيقي نصيبا كبيرا من النجاح‎. ‎

وحقيقة كان الأمر مفرحا، ويتكرر باستمرار، أن تلج محلات ومؤسسات متعددة ناجحة، وأن تكتشف ‏أن مالك المحل أو المشرف عليه مغربي أو مغربية، اشتغل بجد ونزاهة، ووصل إلى ما وصل إليه ‏لأنه يستحق، لا أقل ولا أكثر‎. ‎

وعلى ذكر مغربيات أمريكا، فإن عددا كبيرا من الناجحات هناك يدرن مؤسسات أو يشرفن عليها ‏بنجاح يشعر المرء بفخر كبير، ويؤكد لنا ما نحن مقتنعون به منذ القديم: "المغربية مرا وقادة"، ‏وتستطيع فعل العجب العجاب حين تريد ذلك، وحين تتاح لها فرص الاشتغال في الجو السليم الخالي ‏من عقد الذكورية المرضية التي قد تكبل العديدات هنا، وتفرض عليهن باستمرار تقديم مبرر مشروع ‏ومقبول لنجاحهن، فقط لأن عقلية "السي السيد" لازالت غير قادرة على تصديق أن المرأة تستطيع أن ‏تنجح لوحدها دونما حاجة لأي مساعدة، من أي نوع كان، من طرف الرجل‎.‎

رأينا أيضا في أمريكا ارتباط الناس بالمغرب من خلال الإقبال على تشجيع الفريق المغربي الذي ‏شارك في مونديال الأندية، الوداد، من طرف منتسبين لمدن مغربية مختلفة، ومن طرف مشجعين لفرق ‏أخرى غير الوداد، والكل كان يفسر هذا الأمر بكونه انتصارا لما يفوق تمثيلية هذا النادي أو ذاك، من ‏أجل إعلاء الصوت بالانتصار للمغرب، ولراية المغرب، وللقميص الوطني الذي كنت تلمحه في كل ‏مكان تجولت فيك بناظريك، بل والذي اكتشفنا أن أجانب عديدين يرتدونه، فيما يطلب منك الكثيرون ‏هناك، أمريكيين ومن جنسيات أخرى، هذا القميص الوطني هدية، ويتحدثون إليك بانبهار كبير عما ‏رأوه في مونديال قطر، ويقولون لك ‘‘فعلا كنتم رائعين‘‘. ‎

وعلى ذكر القميص الوطني، رأى مسؤول في إحدى الشركات بعضنا وهو يرتديه داخل أحد الفنادق، ‏فقام نحونا، وبادرنا فورا بالقول "أنتم من بلد عظيم، يجب أن تعرفونها، ويجب أن تفخروا بهذا الأمر". ‏وقد وثق صديقنا مولاي إدريس البوعناني، المقيم منذ سنوات هناك في بوسطن قادما إليها من مكناس، ‏كلام هذا المواطن الأمريكي بفخر في فيديو نشره على صفحته في "الفيسبوك"، ولسان حاله وحالنا ‏يقول "آه لو يفهم بعضنا قيمة هذا البلد العظيم الذي نتشرف بالانتساب إليه‎". ‎

مولاي إدريس ومعه كبير الصحافيين المغاربة هناك سي محمد العلمي، ومعهما المتميز الجميل زميلنا ‏سي محمد السعدوني، كانوا رفاق/ زملاء جزء من الرحلة، وحرصوا على تفاصيل كريمة كثيرة فيها ‏يخجل الإنسان من نفسه حين يتذكرها، لكن لا يستغرب مقدمها على يد المغاربة أبناء الكرم، ويتذكر ‏بها أننا أبناء حرفة واحدة في الختام وإن باعدت بيننا المسافات وأماكن الاشتغال وظروفه وبقية تفاصيل ‏الحياة‎. ‎

باختصار أفرحنا مغاربة أمريكا بأمر هام وأساسي كنا متأكدين منه، لكن لمسناه على أرض الواقع: ‏حبهم للمغرب لا يمكن إلا أن يستمر وأن يزيد، وهذا أهم ما في الأمر حقا‎. ‎