هؤلاء مغاربة يعيشون على بعد ثماني ساعات بالطائرة ويزيد عن المغرب، لكن البلد أقرب إليهم من حبل الوريد، وهم يقولونها لكل من يلتقي بهم بكل حب: المغرب بلد يسكنك قبل أن تسكنه، والاعتقاد أن الاغتراب عنه لسنوات قليلة أو كثيرة (بعضها يبلغ أربعين سنة لمغاربة التقيناهم هناك) كاف لكي تنساه، هو بكل بساطة اعتقاد واهم.
يتابع مغاربة أمريكا الشأن المغربي بكل تفاصيله، حتى الصغير منها. وقد أدهشنا عدد من بينهم لديهم معرفة جد دقيقة بأمور محلية، قد تهم قرى ومدنا صغيرة نائية هنا، ما يشي أنهم يعيشون معلقين باستمرار نحو الوطن ومختلف التطورات فيه، ويقدم الدليل على أنهم مغاربة كانوا، ومغاربة سيظلون حتى الختام، بغض النظر عن الجنسية الأمريكية، وأوراق الإقامة والعمل، وبقية اللوازم الإدارية للحياة هناك.
اقتنع مغاربة العالم، وقد التقينا بممارسين لمهن مختلفة هناك، من اليدوي حتى الفكري منها، بطريقة العيش الأمريكية القائمة على العمل الجاد والجدي يوميا، من أجل تحسين مستوى الدخل والعيش، وانخرطوا، بالنسبة لأغلبيتهم، بسهولة في هذا المسار العملي الذي يجمع الأمريكيين والمقيمين فوق أرض أمريكا، والذي يتيح لكل مجتهد حقيقي نصيبا كبيرا من النجاح.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
وحقيقة كان الأمر مفرحا، ويتكرر باستمرار، أن تلج محلات ومؤسسات متعددة ناجحة، وأن تكتشف أن مالك المحل أو المشرف عليه مغربي أو مغربية، اشتغل بجد ونزاهة، ووصل إلى ما وصل إليه لأنه يستحق، لا أقل ولا أكثر.
وعلى ذكر مغربيات أمريكا، فإن عددا كبيرا من الناجحات هناك يدرن مؤسسات أو يشرفن عليها بنجاح يشعر المرء بفخر كبير، ويؤكد لنا ما نحن مقتنعون به منذ القديم: "المغربية مرا وقادة"، وتستطيع فعل العجب العجاب حين تريد ذلك، وحين تتاح لها فرص الاشتغال في الجو السليم الخالي من عقد الذكورية المرضية التي قد تكبل العديدات هنا، وتفرض عليهن باستمرار تقديم مبرر مشروع ومقبول لنجاحهن، فقط لأن عقلية "السي السيد" لازالت غير قادرة على تصديق أن المرأة تستطيع أن تنجح لوحدها دونما حاجة لأي مساعدة، من أي نوع كان، من طرف الرجل.
رأينا أيضا في أمريكا ارتباط الناس بالمغرب من خلال الإقبال على تشجيع الفريق المغربي الذي شارك في مونديال الأندية، الوداد، من طرف منتسبين لمدن مغربية مختلفة، ومن طرف مشجعين لفرق أخرى غير الوداد، والكل كان يفسر هذا الأمر بكونه انتصارا لما يفوق تمثيلية هذا النادي أو ذاك، من أجل إعلاء الصوت بالانتصار للمغرب، ولراية المغرب، وللقميص الوطني الذي كنت تلمحه في كل مكان تجولت فيك بناظريك، بل والذي اكتشفنا أن أجانب عديدين يرتدونه، فيما يطلب منك الكثيرون هناك، أمريكيين ومن جنسيات أخرى، هذا القميص الوطني هدية، ويتحدثون إليك بانبهار كبير عما رأوه في مونديال قطر، ويقولون لك ‘‘فعلا كنتم رائعين‘‘.
وعلى ذكر القميص الوطني، رأى مسؤول في إحدى الشركات بعضنا وهو يرتديه داخل أحد الفنادق، فقام نحونا، وبادرنا فورا بالقول "أنتم من بلد عظيم، يجب أن تعرفونها، ويجب أن تفخروا بهذا الأمر". وقد وثق صديقنا مولاي إدريس البوعناني، المقيم منذ سنوات هناك في بوسطن قادما إليها من مكناس، كلام هذا المواطن الأمريكي بفخر في فيديو نشره على صفحته في "الفيسبوك"، ولسان حاله وحالنا يقول "آه لو يفهم بعضنا قيمة هذا البلد العظيم الذي نتشرف بالانتساب إليه".
مولاي إدريس ومعه كبير الصحافيين المغاربة هناك سي محمد العلمي، ومعهما المتميز الجميل زميلنا سي محمد السعدوني، كانوا رفاق/ زملاء جزء من الرحلة، وحرصوا على تفاصيل كريمة كثيرة فيها يخجل الإنسان من نفسه حين يتذكرها، لكن لا يستغرب مقدمها على يد المغاربة أبناء الكرم، ويتذكر بها أننا أبناء حرفة واحدة في الختام وإن باعدت بيننا المسافات وأماكن الاشتغال وظروفه وبقية تفاصيل الحياة.
باختصار أفرحنا مغاربة أمريكا بأمر هام وأساسي كنا متأكدين منه، لكن لمسناه على أرض الواقع: حبهم للمغرب لا يمكن إلا أن يستمر وأن يزيد، وهذا أهم ما في الأمر حقا.