لم يكن المنتدى البرلماني للتعاون الاقتصادي بين المغرب ودول سيماك، المنعقد بمدينة العيون، مجرد لقاء بروتوكولي تكرر فيه عبارات “الشراكة جنوب-جنوب” و”الرؤية الملكية” كما ألفها الرأي العام بل جاء في لحظة دقيقة تعيد فيها المملكة رسم خريطة نفوذها الإفريقي من بوابة الاقتصاد والدبلوماسية البرلمانية.
الرسالة الأولى التي حملها المنتدى كانت واضحة: العيون ليست فقط مدينة مغربية، بل مركز إفريقي للتواصل الاستراتيجي.
ولأن المكان له دلالة، فندما ينعقد هذا المنتدى في قلب الصحراء المغربية، بحضور برلمانيين وفاعلين اقتصاديين من ست دول مركزية في إفريقيا الوسطى، فإن ذلك يعتبر تأكيدا بأن مغربية الصحراء باتت أمرا محسوما، وبأن الرباط لم تعد تكتفي بالدفاع عن الوحدة الترابية بل صارت تصدر التنمية من العيون.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
من جهة أخرى، يفهم من أشغال المنتدى أن المغرب يعمق اختراقه للأسواق الإفريقية، ليس فقط عبر المشاريع الضخمة كأنبوب الغاز نيجيريا - المغرب، ولكن أيضا من خلال “تحالفات ذكية” مع برلمانات ومقاولات دول إفريقية تواجه تحديات التنمية والهشاشة، وهو ما يفسر توقيع اتفاقيات بين الاتحاد العام لمقاولات المغرب ونظرائه في دول سيماك.
أما الموقف الأهم، فهو تثمين مبادرة تمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي، باعتبارها مبادرة تتجاوز ما هو “تنموي”، كما جاء في الإعلان، بل خطوة تحمل أبعادا جيوسياسية عميقة، وتوجّه رسائل غير مباشرة للجزائر، التي ما تزال تحاول تقديم نفسها بوابة لإفريقيا.
غالمغرب، من خلال هذه المبادرة، يقول بصوت عالي: من يريد التنمية والربط البحري، فعليه أن يمر عبر المملكة.
ووسط كل هذه الدينامية، اختار المغرب أن يشرك مجلس المستشارين في هذا المنتدى، في ترجمة واضحة للدور الجديد الذي أصبحت تلعبه الدبلوماسية البرلمانية، في إشارة إلى أن البرلمان لم يعد مجرد واجهة تشريعية، بل صار حاضرا في الملفات الاستراتيجية، يعقد الشراكات، يوقع الاتفاقيات، ويواكب توجهات الدولة في إفريقيا.
خلاصة المنتدى لا تكمن في عدد التوصيات أو جمالية البيان الختامي، بل في السياق العام الذي يرسخه المغرب: صناعة التموقع الإفريقي لا تمر عبر الخطابات، بل عبر الحضور الاقتصادي والمؤسساتي في الميدان، أما العيون فقد باتت جزءا من هذا الحضور، ليس فقط كرمز للوحدة الترابية، بل كبوابة من بوابات الانفتاح جنوبا.