شاهدت الموسم الثاني من برنامج اكتشاف مواهب «الراب»، «جام شو» على «دوزيم» بنفس حماس مشاهدة الموسم الأول، لاعتبارات عدة ليس أقلها أهمية أننا في «الأحداث المغربية» كنا من أشد مناصري هذا التعبير الفني الذي كان جديدا وشبابيا بداية سنوات الألفين في المغرب.
يومها كان الجمهور العادي يخلط بين الكلام العاري الذي يشكل شعر وكلمات «الراب»، وبين ما يسميه المغاربة «تخسار الهضرة»، علما أن الفرق شاسع بين الاثين، لذلك كان ضروريا خوض المعركة بقوة، رفقة زملائنا في «تيل كيل» ورفقة وسائل إعلامية قليلة حاولت أن تفسر ثقافة الراب للجمهور العريض، وحاولت أساسا، وهذا هو الأهم، الدفاع عن حق شبابنا حينها في اختيار التعبير الفني الذي يحبونه، والذين يعتبرون أنه قادر على التعبير عنهم وعن آمالهم وآلامهم وأحلامهم وواقعهم بشكل تام وكامل.
هذا هو أساس المعركة يومها، وهذا هو أساسها اليوم: تجنب ممارسة الرقابة، أو فرض الوصاية على الأجيال الجديدة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ومنذ سنوات عديدة خلت كنا نقولها، ونتنبأ بها: سينتصرون، وسيفرضون شكلهم الفني، وسيفرضون على الجميع القبول بحقهم في هذا الوجود الطبيعي، وكذلك كان.
أصبح للراب المغربي برنامج في التلفزيون، وأصبح نجوم الراب ضيوفا دائمين في مهرجان عالمية كبرى، بل إن أحد المتميزين من بينهم سيكون هذه السنة مبرمجا على المنصة العالمية «أو إل إم - السويسي» في مهرجان «موازين» ذائع الصيت، ونحن هنا نتحدث عن «إل غراندي طوطو».
وكم كان كبير الراب المغربي «الدون بيغ» محقا وصائبا في الحلقة الأخيرة من «جام شو» حين تحدث باسم كل محبي الراب في المغرب، وهو يخاطب المشاركين والمشاهدين معهم بالقول «إن الأيام أثبتت أن الأمر يتعلق بفن كامل الأركان، وليس «كونترباند» مثلما كان يقال، أو بفن يمارسه «الشماكرية»، أو غير المتعلمين أو غير المشتغلين في مهن متميزة».
لا، هذا فن أنجبته ثقافة معينة في الولايات المتحدة الأمريكية، ولاقى هوى في نفوس محبيه في العالم بأسره إلى درجة أنه أصبح اليوم الفن الأكثر استماعا في كل منصات الموسيقى في الكون كله.
وهذا فن يعبر بصراحة وجرأة عن مواضيعه، ويذهب قدما إلى ما يريد قوله دون المرور من المساحيق التجميلية التي تضطر للجوء إليها فنون أخرى.
وهذا فن قادر على احتضان اللغة الأم لكل بلاد، وليس مجبرا على اختيار لغة متعالمة، أو دخيلة، بل كلامه كله باللغة الأولى التي يتحدثها المجتمع، والتي يستعملها بشكل يومي المجتمع، والتي لا يجد هذا المجتمع أي حرج في اللجوء إليها في كل لحظات صدقه، من الغضب حتى الفرح فالحزن فالانتشاء، لكن هذا المجتمع أمام «الكاميرا» يمثل دورا آخر غير حقيقته، ويتكلم لغة أخرى غير اللغة الفعلية التي يستعملها باستمرار.
باختصار ثقافة «الراب» ثقافة معادية للنفاق، وللتجمل، وللتصنع، ولكل ماهو «فيك» أي مزور.
لذلك ينتسب لها الشباب دوما، وتجدد نفسها بهؤلاء الصغار الذين يعثرون داخلها على طرق تعبير خاصة بهم، تشفي غليلهم الفني باستمرار.
وحتى عندما يكبر بعض نجومها يجدون الخلف بسهولة، لأن هذه الثقافة تمتلك جينات التجديد وعدم القابلية للموت في تكوينها الأصلي.
يكفي أن تتذكر أن شابا لم يعش أكثر من ثلاثة وعشرين سنة، وقتل سنة 1996، وكان يسمى توباك شاكور، لازال حيا - رغم الموت - إلى يومنا هذا، ولازال عند العديدين شاعر الراب الأول، رفقة «بيغي»، وبقية السلسال المجيد.
لذلك قلناها منذ زمن ونعيدها اليوم: «عمر هذه الثقافة وعمر هذا الفن أطول بكثير من عمر المزمنين والمحنطين وبقية العاجزين عن تقبل الجديد، في الفن، وفي الحياة كلها بشكل عام».