في إصداره الجديد الموسوم ب" ما الذي تركته المشاعر للسياسة.. مقالة في القبائل الحزينة"، يعتبر الأستاذ الجامعي حسن طارق، أن ترصيد وبناء المشتركات الوطنية، سبيل، ضروري للتفكير في إعادة تشييد " الإنساني"، وخطوة أولى لازمة في سياق التفكير داخل أفق المشترك الكوني.
ويعلل حسن طارق الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، ذلك أساسا، لأننا نعيش لحظة اكتشف فيها الغرب الليبرالي أنه – عوض أن يعيش حروبا حضارية في الخارج – استقدم حرب الحضارات إلى الداخل. بيد أنه يعرب بالمناسبة عن اعتقاده بأن إمكانية تأويل دينامية القبائل العاطفية، كتمرين داخلي لحرب بين الحضارات –وسط الحدود الوطنية – قد تستحق عناء اختبار صلاحياتها الفكرية.
وبعدما تسائل عن المسالك الممكنة لتجاوز حالة الانقسام التي يصنعها زمن القبائل الحزينة والانتصار لروح الأماكن المحايدة أو الباردة داخل المجتمعات كترياق ممكن لنزع الطابع القبلي عن تنافس الادعاءات الهوياتية وتوتر الخيارات القيمية المشحونة بالمشاعر السلبية، أوضح حسن طارق، بأن التفكير هنا في هذه " الأماكن الباردة" هو بحث عن الفضاءات المبتعدة عن فخاخ الاستقطاب والانقسام الثقافي والشروخ الأيديولوجية، والاستثمار السياسوى للمشاعر السلبية.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
تلطيف الأيديولوجيا
ويشدد المؤلف في هذا الصدد على أنه سواء تعلق الأمر بالجامعة أو بالمؤسسات الوطنية المستقلة، فإن الرهان على تلطيف النفحة الأيديولوجية لمطالب الاعتراف، وعلى وضع ادعاءات القبائل العاطفية تحت اختبار الخطابات العلمية والأطروحات المضادة، قد يسمح بنزع فتيل " العصبيات" الحديثة المهيكلة للنقاش العمومي، وبتقليص شحنة المشاعر الحزينة التي تغطى مساحات واسعة داخله.
إلا أن الأستاذ حسن طارق، يبين بطريقة لا لبس فيها بأن " الغاية المثلى لهذه الأماكن هي بالتأكيد احتضان مسارات الإنتاج والبناء التداولي المستمر لمرجعيات المشترك الوطني" في الوقت الذى يظل" رهان هذه الأماكن، " هو نزع الطابع الأيديولوجي عن الأطروحات المتنافسة حول تصور المجتمع والقيم، وهي بالتأكيد محاولة لتخفيف الشحنات العاطفية لهذه التوجهات، وجرها إلى اختبار الصلاحية من زوايا نظر أكثر موضوعية ومعرفية وعقلانية، وأن السبيل إلى ذلك، يبدأ بإبعاد هذه الرؤى عن ضغوط الزمن الانتمائي والسياسي والعاطفي ( ص 104 من الكتاب) .
مخاوف الهوية
واذا كان في العقد الأخير انشغل في مؤلفاته – كما يذكر الكاتب - بمسألة المثقف الهوياتي ، وبتناول جزء من إشكاليات الهوية في لحظة كتابة دساتير ما بعد 2011 ثم بقضايا تحول النقاش الثقافي إلى موضوع مركزي في الساحات السياسية، قبل أن يهتم بسؤال حقوق الانسان في زمن هيمنة خطابات الهوية، ثم بموضوع الوطنية المغربية من زاوية تحولات الهوية والأمة، فإنه يعترف بأنه يشعر مرة أخرى، بأن اهتماما أكبر بمواضيع الهوية، يعنى مخاوف أكثر .. وهو ما جعله لا يستطيع التكهن برد فعل القارئ، بخصوص ما إذا كان سيشاركه مخاوفه؟ .
وفي الأخير يخلص المؤلف الى القول: " بأنه إذا حصل ذلك، فهذا سيكون جيدا بالنسبة للرسالة التي يحملها هذا العمل، أما إذا لم يحصل لأن القارئ استطاع تطوير حجج مضادة لتنسيب هذه المخاوف – أو لدحضها حتى- فهذا يعني أن مخاوفى غير ذات أساس، ولعل هذا أمر جيد جدا.
نص متميز
وبناء على ذلك كله، فإن كتاب حسن طارق - كما يسجل الجامعي عبد الحي المودن أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تقديم المؤلف – " يغني المكتبة المغربية بنص متميز بسبقه واجتهاده في تقديم خلاصات تركيبية موفقة لما توفر له من كتابات رائدة في دراسة المشاعر"، مشيرا إلى أن بعضها يصنف كنصوص مؤسسة لهذا المنعطف الذي أصبح يعد من بين المنعطفات الأكاديمية الأكثر بروزا في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية على غرار المنعطف الثقافي، والمنعطف التأويلي، وهي جميعها تحولات تتطلب أن ينتبه إليها البحث الجامعي في جامعاتنا لما توفره من آفاق للاكتشاف والتجدد والابتكار.
وسجل أن المؤلف الذي" يقنع قارئه بأنه تحمل هذه المهام المضنية"، يبادر لإقحام قارئه في قلب انشغالات منعطف المشاعر، وهو التحول الذي عرفته العلوم الاجتماعية منذ ثمانينات القرن العشرين معترفا بالمشاعر كمتغير حاسم لفهم السياسة، التخصص الأكاديمي للكاتب ملاحظا بأن هذه المبادرة لا تخلو من جرأة شجاعة من طرف صاحبها، لأن منعطف المشاعر يبدو غريبا في حقل العلوم السياسية في الجامعات المغربية، التي لا تزال تنبذه بالرغم من أن هناك اعتراف ما فتئ يتقوى على الصعيد العالمي، بأن فصل المشاعر عن التحليل السياسي، لا يخلو من تعسف نظري.
منعطفات أكاديمية
وأشار الأستاذ المودن إلى أن بعض هذه الكتابات يصنف كنصوص مؤسِّسة لهذا المنعطف الذي أصبح يعد من بين المنعطفات الأكاديمية الأكثر بروزا في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية على غرار المنعطف الثقافي، والمنعطف اللساني، والمنعطف التأويلي، وهي جميعها تحولات تتطلب أن ينتبه إليها البحث الجامعي في جامعاتنا لما توفره من آفاق للاكتشاف والتجدد والابتكار، كما أن مساهمة نص حسن طارق لاتقف في التعريف بقراءة، لا يمكن إلا أن تكون محدودة، لما أنجز حول المشاعر كموضوع سياسي، بل هو عمَل بالإضافة إلى ذلك، على توظيف خلاصاته كباحث في علم السياسة، لتحليل السياسة في أن وضع المشاعر كمتغير مستقل في تفسير السياسة في المغرب من منطلق العلوم السياسة.
وتوقع الأستاذ عبد الحي المودن بأن هذا العمل الجديد " ولا شك سيثير حفيظة المتشبثين بالبنيوية وبعقلانية الفاعل السياسي والذين لا يعتبرون المشاعر، حينما يودون الإشارة إليها، إلا كزاوية منسية" داعيا في هذا الصدد إلى السعي للإمساك بالسياقات الفكرية والسياسية التي أفرزت المنعطفات، المنعطف السياسي في حالة نص طارق، والسياقات التي تدعو لتبنيه في حالة المغرب.
يتضمن كتاب "ما الذي تركته المشاعر للسياسة.. مقالة في القبائل الحزينة" الواقع في ما يناهز 110 صفحة من الحجم المتوسط من منشورات بيت الحكمة، ثمانية فصول، هي لماذا عادت المشاعر؟ والمشاعر التي تظهر وتختفي ! والمنعطف العاطفي في الدراسات السياسية والدولية والمشاعر، الهوية والقيم أو مثلث المخاطر وفي القبائل العاطفية الحزينة والحركات الاجتماعية، الاحتجاج والمشاعر، فضلا عن المشاعر بالمفرد: الخوف والكراهية والاشمئزاز والاستياء :( 1. الخوف: أو " القائد الأعلى" للمشاعر .2. الكراهية : العاطفة الأكثر عراقة. 3. الإشمئزاز: عاطفة العنصرية)، ومسالك للمستقبل أو من أجل مرافعة حول المشترك:( 1. من سياسات الاعتراف إلى سياسات المشترك. 2 الدولة الوطنية ضامنة المشترك. 3. الأماكن الباردة كمختبر للمشترك).
لحسن طارق عدة مؤلفات، منها " الديمقراطية وقضايا الانتقال السياسي بالمغرب" و" العودة الى الثقافة " و" حقوق الانسان أفقا للتفكير" و" التواصل بين المجتمع المدني والبرلمان " و"المثقف والثورة :الجدل الملتبس، محاولة في التوصيف الثقافي لحدث الثورة" و"هيئات الحكامة في الدستور: السياق ،البنيات والوظائف " و" من الثورة إلى الدستور؛ الهوية والديمقراطية في دستورانية الربيع العربي" و"الدستور و الديمقراطية :قراءة في التوترات المهيكلة لوثيقة 2011"و"السياسات العمومية في الدستور المغربي الجديد" و"المجتمع المغربي و سؤال المواطنة والديمقراطية و السياسة "و"الشباب السياسة و الانتقال الديمقراطي" و"اليسار وأسئلة التحول" و" الوطنية المغربية .. تحولات الأمة والهوية ".
.