استنهاض الديموقراطية للقطع مع الخداع السياسي

بقلم أحمد الشرعي الجمعة 02 مايو 2025
أحمد الشرعي
أحمد الشرعي


مع اقتراب موعد شتنبر 2026، يستعد المغرب لإجراء انتخابات وطنية تتجاوز رهاناتها الإطار المؤسسي المحض. وفي عالم يشهد إعادة تشكل كبرى ــ تتسم بالاضطرابات الجيوسياسية، وتوترات الطاقة، وإعادة تموقع إقليمي، وتحول في التوازنات العالمية ــ فإن هذه المواعيد النهائية سوف تشكل اختبارا رئيسيا لقدرة البلاد على التمظهر بوضوح وتماسك وطموح. لكن مع اقتراب موعد الاستحقاقات، بدأ الشعور بالضيق يتسلل إلى نفوسنا: إذ أصبحت الفجوة صارخة بين توقعات المواطنين وخطاب الأحزاب السياسية أكثر من أي وقت مضى.

في الوقت الذي يتطور المجتمع المغربي بسرعة كبيرة، تبدو البنيات الحزبية جامدة، ومنفصلة، وسجينة لردود فعل تقليدية وقديمة ولخيال سياسي متجاوز.

يصر العديد من الزعماء السياسيين على تبني موقف الضحية، منددين بمضايقات وسائل الإعلام المزعومة للعمل الحزبي. إن هذه الرواية ليست خاطئة فحسب، بل إنها خطيرة أيضا. لأن وسائل الإعلام لا تنقل في كثير من الأحيان سوى خيبة أمل مشتركة على نطاق واسع، خيبة أمل ناجمة عن نقاش سياسي ضعيف ومنبوذ، خالي من المعنى. المغاربة لا يطالبون بمبررات، ناهيك عن كبش فداء. إنهم يتوقعون رؤية ومقترحات جريئة، وطموحا جماعيا قادرا على مواجهة تحديات اللحظة.

إن الأحزاب السياسية ليست مجرد آليات إدارية للديمقراطية، إنها أساسها الحي. وتقع على عاتقها مسؤولية تنظيم النقاش العام، واقتراح مشاريع واضحة، وتجسيد البديل، وتأطير الأجيال الجديدة والعمل على إدماجها.

ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض القوى السياسية تقوم برهن الآليات الديمقراطية لفرض رؤية رجعية وغير متسامحة. وتعتمد استراتيجيتها على الشتم والتخويف، وأي صوت معارض يتم على الفور وصمه وشيطنته. إلى درجة أن الأمر لم يعد يتعلق بالمناقشة أو الإقناع، بل يتعلق بالترهيب ورهن الفضاء العام.

لكن المغاربة ليسوا مصابين بفقدان الذاكرة ولن تنطلي عليهم هذه الخدعة. المغاربة يتذكرون جيدا الخطابات الرنانة الخالية من الوعود، والتدبير المليء بالتناقضات والانتهازية والتنازلات، في وقت كانت هذه الأحزاب مسؤولة عن تدبير الشأن العام . إن تدبير الشأن العام لا يعني استغلال المعتقدات أو الاستفادة من الإحباطات. بل يعني فتح الطريق، وخلق الانسجام والتناغم، وتحمل المسؤولية.

في هذا السياق، تقع على عاتق المجتمع المدني والمثقفين والعقول الحرة والمواطنين الملتزمين مسؤولية أساسية، تتجلى في إعادة تأكيد أسس الديمقراطية، والدفاع عن التعددية ضد النمطية، وحماية النقاش من التخويف، وأيضا التأكيد على أن الديمقراطية لا تختزل في الطقوس الانتخابية، بل تقوم على احترام الفرد، والاعتراف بالتنوع، والمساواة بين الجميع أمام القانون.

إن الانطواء الهوياتي والمنطق الإقصائي وخطاب الكراهية ليس لها مستقبل. إنها لا تجلب التقدم ولا الاستقرار، بل تغذي الركود والتفرقة والتراجع.

إن المغرب يستحق أكثر من مجرد ديمقراطية استعراضية. إنه يستحق ديمقراطية طموحة ونابضة بالحياة، متجذرة في الذكاء الجماعي ومدعومة من قبل الأحزاب السياسية التي ترقى إلى مستوى مهمتها التاريخية.

لقد بدأ العد التنازلي.. لقد انتهى زمن التظاهر.