سمعة مملكة

بنزين سكينة الخميس 09 مايو 2024

عندما تسمع اليابان، تتسارع إلى مخيلتك صور التطور التكنولوجي الخارج عن الزمن، ومشاهد اللباقة واللطافة المبالغ فيها لشعب لا يكف عن الابتسام بود والإنحناء أمام أصغر معروف، مع أن هذه الصورة لا تطابق ما تختزله ذاكرة شعوب آسيا حول امبراطورية اليابان الدموية التي حصدت أرواح الملايين وخلفت مآسي تجتهد دولة كالصين في تخليدها عبر السينما، لتحث مواطنيها على عدم نسيان فصل محزن من تاريخها، حتى لو كلفها الأمرعشرات الأفلام السنوية المعادية لليابان.

لكن مهارة تسويق صورتك لدى الآخر، قادرة على طمس جزء من الذاكرة، والترويج لما ترغب في أن يراك عليه الآخر، فبكثير من الاجتهاد والمهارة تمكنت اليابان من تثبيت صورة جديدة خارج نطاقها الآسيوي، لتصبح مرادفا للطافة ، ما يعكس رغبة جيل جديد في التنصل من تركة الأجداد، بل وترك بصمة فارقة في ذاكرة أجيال بأكملها خارج نطاقها الجغرافي، كما هو الحال مع ملايين العرب الذين تابعوا في طفولتهم حلقات كرتونية يابانية، وأدمنوا في مراهقتهم وشبابهم على قصص المانجا.

إنها قوة الصورة المحملة بمعطيات ثقافية، والتي اتخذت منحى قويا حد الخروج عن السيطرة زمن الاتصال الرقمي، حيث تتسابق الدول لترويج نفسها بطريقة ذكية، كما هو الحال مع الصين التي وقع ملايين المتابعين عبر العالم في غرام ريفها، فقط لأنها نجحت في استثمار صورة المرأة عبر صناعة فيديوهات عالية الجودة، تظهر وكأنها يوميات عادية لشابات آسيويات، يستعرضن روتينهن الحافل داخل الحقل والمطبخ بطريقة مبهرة، حيث تظهر المرأة في كامل أناقتها حد الكمال، في تنافر تام مع صورة المرأة العاملة بالحقل والمنزل، ومع أن الناس انقسمت إلى مصدق في سذاجة أن هذه صورة امرأة الحقل، وبين مدرك أنها فيديوهات احترافية ، إلا أن الكل يجلس مذعنا لتتبع هذا النوع من المحتوى المبهر الذي يعود في النهاية بالنفع على صورة الصين، تلك القوة الاقتصادية المتعطشة لغزو كل الأسواق.

 والمغرب اليوم ككل الدول، ليس بمعزل عن العالم بعد أن أصبح بإمكان هاتف بسيط أن يقوم مقام آلة إعلامية لترويج صورتك، وبما أن عددا كبيرا من مشاهدي هذه الفيديوهات لم يسبق له زيارة المملكة، إلى جانب ميل الناس للإقبال على كل ما هو فضائحي وتحت عنوان الإثارة المجانية، فقد وجب التنبيه أن بعض المهووسين بتلويث سمعة المملكة، يجدون في عدد من المحتويات الرقمية ضالتهم، للتسويق السلبي الذي يسهل رسم ملامح مغلوطة خاصة عند المتلقي السلبي المستهلك للمعلومة دون بحث.

الأمر لم يعد اليوم مجرد فيديوهات فردية لأشخاص يمتهنون التسول الرقمي، عبر تقديم محتويات مسيئة لشخصهم من أجل الحصول على لايكات وعدد مشاهدات تترجم لمدخول شهري، بل أصبح إساءة لصورة وسمعة بلد بعد انخراط وسائل إعلام رقمية في إنتاج فيديوهات تستغل صورة المرأة أبشع استغلال، وتضخم بشكل مقصود بعض الأمثلة المسيئة وكأنها ممارسات طبيعية تعكس صورة غالبية المغاربة، وتزاحم صناع محتويات الرداءة في رداءتهم، تحت مسمى مسايرة المستجدات الرقمية، والخضوع لمنطق "ما يريده الجمهور".

هذا لا يعني حالة إنكار لوجود ظواهر مجتمعية سلبية، لكنه دعوة لتنظيم المشهد الرقمي عبر الإلتزام بأخلاقيات المهنة، ووضع قوانين زجرية تضيق من نطاق هذا الانتشار المخيف للرداءة التي تستغل فوضى المشهد، وذلك بالتزامن مع الانخراط الجدي في تبني مقاربة إعلامية تستحضر ثنائية الخطاب الموجه للداخل كما الخارج، عبر نشر محتويات تعكس عراقة المملكة وتقاليدها وتاريخها، وتفردها بعدد من المبادرات الإقليمية والقارية على المستوى الديني والاجتماعي والثقافي.