تمرين ديمقراطي بأفق انتقال اجتماعي

يونس دافقير الجمعة 26 أبريل 2024
No Image

رحم الله السي عبد الرحمان اليوسفي. كان، وهو مجرد وزير أول وليس رئيس الوزراء، أول من أرسى تقليد النقاش بين الحكومة والبرلمان حول حصيلة نصف الولاية الحكومية، وبموجب دستور 2011 صار ذلك التزاما دستوريا يتقيد به رؤساء الحكومات.

تقديم الحصيلة المرحلية للحكومات ليس مجرد طقس مؤسساتي، كثيرون يعتقدون ذلك لأنه سلوك بلا أثر سياسي مادام أنه لا يعقبها تصويت، لكن التقدير الغير مجانب للصواب، هو أنها لحظة تمرين ديمقراطي تعكس التطور المضطرد لديمقراطيتنا الناشئة، وتعبر عن التوجه المتزايد نحو إضفاء الطابع البرلماني على نظامنا السياسي والدستوري.

يمكن قراءة الحصيلة المرحلية لحكومة عزيز أخنوش في سياق هذه اللعبة الديمقراطية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يمكن وضعها تحت مجهر ربط المسؤولية بالمحاسبة المعنوية عن تدبير السياسات العامة والقطاعية خلال سنتين ونصف.

وظيفة الحكومة هي الدفاع عما تعتبره منجزات حكومية، بينما يأتي الدور على المعارضة في غرفتي البرلمان لانتقادها. في الواقع هناك قيمة مضافة تاوية في عمق هذه اللحظة ونقاشاتها، وهي تسمح بتوسيع مجال الرؤية والتقييم.

والسؤال من هذه الناحية هو التالي: هل تمت ترجمة مخرجات ثامن شتنبر 2021 إلى تغيير سياسي؟ وإلى انتقال من مرحلة إلى أخرى؟ فقد تكون الحكومة تعاقدت مع البرلمان حول تصريح نيل الثقة بناء على التزامات تدبيرية، لكنها تعاقدت قبل ذلك يوم الاقتراع التشريعي مع الناخبين على إنجاز التغيير الاجتماعي.

لما قدم عبد الرحمان اليوسفي حصيلته الأولية كان محكوما بالجواب عن سؤال ما الذي أنجزه في سياق التأسيس لـ«الانتقال الديمقراطي» الذي فتحه «التناوب التوافقي»، بينما كان على عبد الإله  بن كيران أن يعرض حصيلة استكمال العبور الدستوري والسياسي نحو استكمال «الانتقال الديمقراطي»، في حين يمكن القول أن عزيز أخنوش قدم حصيلة مساعي الانتقال من «الانتقال الديمقراطي» إلى «الانتقال الاجتماعي».

منذ 2017، كانت الرسالة الواضحة للأحداث الاجتماعية ااتي شهدتها تلك الفترة هي أن المنجز السياسي لـ«الانتقال الديمقراطي» وحده لا يكفي، وأن دواء الديمقراطية لا يشفي وحده أمراض الجسد الاجتماعي، كان ذلك أيضا درسا بليغا استقيناه من انهيار البذخ الديمقراطي لثورة الياسمين أمام الهشاشة الاجتماعية في تونس.

تبدو حكومة عزيز أخنوش الحكومة الأكثر مشروعية ديمقراطية في تاريخ الحكومات المغربية، في تجربة غير مسبوقة صوت أكثر من 50 في المائة من الكتلة الناخبة في اقتراع الثامن من شتنبر 2021، بدا ذلك مفاجئا لكثيرين مقارنة بخطاب «أزمة الثقة» و«انهيار مؤسسات الوساطة»، غير أن الحافز والرسالة إلى الطبقة السياسية كانا واضحين من المواطنين: هذه دور استدراكية في الثقة، وهي محاولة جديدة للأمل والرهان عليه.

في هذا الأفق لا تسمح مدة سنتين ونصف بتكوين قناعة منصفة حول مدى إنجاز التغيير السياسي الكامن في رسائل المواطنين ليوم ثامن شتنبر 2021، غير أنه قد يجوز القول أنه تم خلال هذه الفترة وضع أسس وآليات البنية التحتية الضرورية للتحول من «الانتقال السياسي» إلى «الانتقال الاجتماعي»، فما أنجز اجتماعيا في نصف ولاية يفوق ما تحقق في ولايتين سابقتين.

والحق يقال أن إرساء شبكة التوزيع الاجتماعي لخدمات «دولة الرعاية»، ووضع آليات المزاوجة بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية، هما أيقونة ما أنجزته حكومة 2021، مقارنة بمحدودية ما أنجز في التشغيل وكبوة إصلاح التعليم بسبب التوتر الاجتماعي القطاعي.

كان هذا هو عمق مشروع «الحماية الاجتماعية» ومفهوم «الدولة الاجتماعية» كما بلورهما الملك محمد السادس عقب خطاب العرش في يوليوز 2017، والحكومة تحظى لتحقيق هذه النقلة النوعية بدعم ملكي. ولذلك بدا عرضها أمام البرلمان غزيرا في شق المنجز الاجتماعي رغم ظرفية دولية ومناخية غير مساعدة.

مشكلة الحكومة، والأحزاب المشكلة لها، أنها تسوق مشاكلها بشكل أفضل من منجزاتها، وتجعل برنامجها الحكومي وثيقة تدبيرية قطاعية بدون تأطير سياسي للمرحلة، ولو تخلصت من مأزق التواصل والخطاب لكانت في وضع أفضل لدى الرأي العام.