استطاع كتاب "الذكاء الاصطناعي والديبلوماسية الرقمية"، لكاتبته فاطمة رومات، أستاذة بكلية الحقوق أكدال، ورئيسة المعهد الدولي للبحوث العلمية، اعتلاء الرتبة 90 عالميا كأكثر الكتب مبيعا في مجال الديبلوماسية، في لائحة ضمت عشرات الكتب لمفكرين ومسؤولين سابقين وحاليين، مثل هنري كيسنجر، ووليام بيرنز. في حوارها مع "أحداث.أنفو" تتطرق الكاتبة والباحثة فاطمة رومات إلى ظروف الاشتغال على كتابها، واقع وآفاق الذكاء الاصطناعي بالمغرب، والتحديات والتهديدات التي يفرضها وطنيا ودوليا.
حدثينا عن ظروف الاشتغال على إصدارك حول الذكاء الاصطناعي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
كتاب "الذكاء الاصطناعي والدبلوماسية الرقمية: التحديات و الفرص" صدر سنة 2021 وهو كتاب أشرفت على انجازه وساهمت بكتابة جزء كبير منه (المقدمة و احد فصوله و الخاتمة) و هو مضمن في مكتبات مجموعة من الجامعات، وأيضا مبرمج لبعض طلبة الماستر في بعض الجامعات الأجنبية.
الجديد هو أنه أدرج في لائحة أفضل المبيعات في مجال الدبلوماسية من طرف منصة BookAuthority و هي نفسها التي صنفت السنة الماضية كتاب آخر (أشرفت على انجازه و شاركت فيه بكتابة جزء كبير منه) كأفضل كتاب في الذكاء الاصطناعي وهذه السنة أيضا صنف ضمن لائحة الكتب الموصى بقراءتها في سنة 2024 في مجال التعليم.
هذا الكتاب عنوانه :"الذكاء الاصطناعي والتعليم العالي والبحث العلمي: التطورات المستقبلية" و هو مضمن أيضا في لائحة افضل 50 كتابا موصى بقراءتها سنة 2024 من طرف منصة Thinker360 الأمريكية.
الكتاب حول الدبلوماسية يتضمن مجموعة من الفصول التي تتراوح بين التحليل النظري والدراسة الميدانية، حيث يبتدأ الكتاب بفصل يتساءل فيه الكاتب وهو من جامعة بوخاريست برومانيا حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيعزز أو سيعوض الدبلوماسية "التقليدية" وهناك فصل أنجزه باحث فنلندي عن دبلوماسية التويتر من خلال نموذج فنلندا وشاركت فيه بفصل حول مخاطر الاستعمالات الخبيثة للذكاء الاصطناعي على الدبلوماسية وهناك فصل حول السيادة التكنولوجية و أخرى حول الأمن الإلكتروني والتحديات التي يطرحها في مجال الدبلوماسية.
كيف ترين كباحثة في المجال واقع وآفاق الذكاء الاصطناعي في المغرب؟
هناك اهتمام متزايد بالذكاء الاصطناعي في المغرب كما في مجموعة من البلدان العربية، التي قامت بمجموعة من المبادرات، تتراوح بين الرفع من الاستثمار الداخلي في هذا المجال، وخلق المعاهد والجامعات، بل وحتى وزارات خاصة بالذكاء الاصطناعي.
كما قامت بعض الدول مثل المغرب والإمارات العربية المتحدة والسعودية وقطر والكويت بمبادرات تهدف إلى تشجيع البحث العلمي والابتكار في هذا المجال، وخلق تخصصات جديدة مرتبطة بالذكاء الاصطناعي وأيضا تأثيراته على مجالات متعددة. ومن شأن هذه المبادرات أن تساهم في مضاعفة نسبة النمو الاقتصادي لهذه الدول في أفق 2030.
بالنسبة للمغرب فهو يحتل المرتبة 56 بحسب مؤشر الذكاء الاصطناعي العالمي الذي يشمل 62 دولة من القوى التي تسرع التطور في الذكاء الاصطناعي من خلال ثلاث ركائز أساسية و هي الاستثمار والابتكار والتنفيذ. وبإمكان المغرب أن يحقق نتائج أفضل لو اهتم بتأثيرات الذكاء الاصطناعي والتي تحظى باهتمام كبير من طرف المنظمات الدولية والإقليمية.
المغرب كغيره من الدول، يشارك في المجهود العالمي لتعزيز الاستفادة من الفرص التي يقدمها الذكاء الاصطناعي والتقليص من مخاطره من خلال المبادرات التي اتخذتها الحكومة السابقة والحالية، وأيضا من خلال المؤتمرات والفعاليات التي نظمتها العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة حول الذكاء الاصطناعي وتأثيراته، لكن تبقى العقبة الأساسية في قلة الاستثمارات في هذا المجال، وهي النقطة التي يجب أن تحظى باهتمام أكبر على مستوى الشراكات واتفاقيات التعاون الثنائية أو المتعددة بين المغرب وشركائه، مع تنويع الشركاء، إضافة إلى ضرورة الرفع من ميزانية البحث العلمي، لتشجيع البحث العلمي في الذكاء الاصطناعي في كافة التخصصات، مما يعني تجاوز المقاربة المحدودة، والضيقة والتي أصبحت متجاوزة والتي يعتمدها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، والمتمثلة في جعل الذكاء الاصطناعي مجالا تقنيا يرتبط بتخصصات أبرزها علوم الحاسوب، والرياضيات، ذلك أن المقاربة المعتمدة الآن من طرف العديد من الدول المتقدمة في هذا المجال، وحتى من طرف مجموعة من المنظمات الدولية، وتضمنتها أيضا التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو، هي المقاربة التشاركية، بمعنى إشراك كافة الفاعلين في كافة القطاعات ومن كل التخصصات، مع اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي بالمفهوم الواسع تمكن المغرب من التقدم في هذا المجال وضمان مرتبة مشرفة على المستويين الإقليمي والدولي يبقيان رهينين بوضع استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي، مبنية على النوع الاجتماعي، والتنزيل الجيد للتوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي لليونسكو.
ونذكر هنا بأهمية المبادرات الفردية لبعض الأساتذة والأستاذات، داخل الجامعات المغربية الذين يعملون على توجيه الطلبة للبحث العلمي في موضوع الذكاء الاصطناعي وتأطير بحوثهم الجامعية، في غياب تام لأي دعم مادي لهؤلاء الباحثين الشباب في سلك الدكتوراه، الذين اختاروا خوض هذه المغامرة، رغم صعوبة البحث في هذا المجال، من منطلق حبهم للوطن، في انتظار وضع استراتيجية تعليم معتمدة على الذكاء الاصطناعي، وخلق البنية التحتية التكنولوجية الضرورية والتي تطرح و بإلحاح ضرورة الرفع من الميزانية المخصصة للبحث العلمي، فالأخيرة تبقى هزيلة مقارنة بالرهانات والتطلعات على حد سواء، حيث يخصص المغرب 0.75 في المائة من الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي مقابل 0.76 في المائة في رواندا و 0.96 في المائة في مصر وفي الإمارات العربية المتحدة1.45 وفي اسرائيل 5.44 في المائة في حسب الإحصائيات الأخيرة للبنك الدولي.
ما هي المجالات والقضايا التي يمكن أن يستثمر فيها الذكاء الاصطناعي وطبيعة الحلول التي يمكنه تقديمها؟
الذكاء الاصطناعي يؤثر في مختلف المجالات والتخصصات، فكل مسارات التنمية تبدأ بالاستثمار في التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في المجال. هذا ما توصلت إليه، واقتنعت به منذ السنوات الأولى من البحث الجامعي في العلاقة بين التكنولوجيا والتنمية.
حيث لا يمكن مثلا شرح ارتقاء فاعلين جدد في المجتمع الدولي دون الاشارة إلى دور التكنولوجيا، وفيما بعد شبكات التواصل الاجتماعي، ولا يمكن شرح موازين االقوى في العلاقات الدولية دون الحديث عن الأشكال الجديدة للقوة، التي لم تعد خشنة فقط بل أضحت ناعمة وذكية، وكيف نتناول مواضيع القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني ونشرحها لطلبتنا دون الحديث عن تهديد الأسلحة الذاتية القيادة للسلم والأمن الدوليين، وهي تطرح تهديدا للبشرية بأكملها.
الآن ومع الاستخدام الواسع للذكاء لاصطناعي العام تطرح ضرورة خلق جسور بين الحقول المعرفية، لأن المبرمجين والمهندسين في علوم الحاسوب ومن يشتغلون بالخاورزميات، لا يأخذون بعين الاعتبار التأثيرات السلبية أو المخاطر التي تطرحها أختراعاتهم في مجال الذكاء الاصطناعي، وأنها قد تشكل أحيانا خرقا للقانون الدولي لحقوق الانسان، و chat Gpt هو نظام يمكن استخدامه في بعض المجالات مثل خلق محتوى تجاري أو شيء من هذا القبيل، لكن بالمقابل يجب مراجعة بعض النصوص القانونية وتعزيز حقوق المؤلف والملكية الفكرية وأخلاقيات البحث العلمي بالموازاة مع أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
لهذا نصت التوصية حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي على ضرورة اشتغال المبرمجين والمتخصصين في علوم الحاسوب مع متخصصين في مجالات أخرى حتى يتم استحضار الأخلاقيات عند تصميم نظام ذكي معين، لأن أغلب المهندسين لا يظنون أن للتطبيقات التي يطورونها آثاراً سلبية أو مخاطر ولا يدرون بأن لديهم مسؤولية قانونية عندما يتعلق الامر بأثر سلبي معين.
ما هي التحديات والتهديدات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي وطنيا ودوليا؟
هناك العديد من التحديات والصعوبات التي يواجهها الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي، مرتبطة على سبيل المثال لا الحصر، بقلة البيانات المتوفرة سيما باللغة العربية، وهذا يجعل العثور على بيانات كافية، ومتنوعة، ودقيقة، صعبا، وبالتالي يؤثر على جودة نتائج الأبحاث، هذا بالإضافة إلى الصعوبات المتعلقة الآن باستخدام الذكاء الاصطناعي العام، وضعف الدقة في البيانات، ناهيك عن الصعوبات التفسيرية، وتلك المرتبطة بالشفافية، عندما لا يكون النظام قابلا للتفسير، والشفافية من قبل المستعملين.
لهذا، يشكل البحث العلمي الموجه لتطوير نماذج قابلة للتفسير من المجالات التي تحظى باهتمام المتخصصين في مجالات عديدة، وليس فقط المتخصصين في علوم الحاسوب والرياضيات. من بين الصعوبات أيضا تلك المرتبطة بالأخلاقيات، والقيم الإنسانية، التي لوحظ افتقار العديد من الأنظمة لها، مما أدى إلى مجموعة من السلبيات والمخاطر، مثل التحيز والتمييز المبني على النوع، أو لون البشرة، أو أي شكل من أشكال التمييز وانتهاك الخصوصية.
في نفس الأطر نلاحظ غياب جسور بين المجتمعات المتعددة داخل المجتمع الواحد، وأقصد هنا غياب التنسيق، والتعاون أساسا بين المجتمع الأكاديمي، والمجتمع الاقتصادي، وهذا التعاون أساسي لكي يتمكن الباحث بمساعدة ودعم المؤسسات الاقتصادية من تطبيق وتنفيذ أفكاره واختراعاته وتحويلها من مجرد أفكار إلى منتوج يمكن أن يستفيد منه المجتمع، لاسيما أن الاستخدام الواسع للذكاء الاصطناعي أدى الى الارتقاء بهذا القطاع من مجرد قطاع يسهر على ضمان الحق في التعليم لكل الأفراد إلى مجال سيادي يرهن سيادة الدول.
ومن الآثارالسلبية للذكاء الاصطناعي اختفاء مجموعة من الوظائف وظهور وظائف أخرى جديدة تتطلب مستوى تعليمي عال، الإجازة على الأقل ومهارات معينة أهمها القدرة على الإبداع والابتكار.
وهذا لا يجب اعتباره مجرد تغيير بل إنه سيؤثر بشكل كبير ليس فقط على الحق في العمل ولكن أيضا على الحق في العيش الكريم الذي يعتبر الخيط الناظم لكل المواثيق الدولية.
تجدر الإشارة إلى أن قطاع التعليم هو أيضا معرض لتعويض الموارد البشرية فيه بالروبوتات. وقد تم بالفعل إلقاء أول درس من طرف روبو في شهر أكتوبر 2018 في إحدى المدارس العسكرية وكان درسا للفلسفة تفاعل فيه الروبو بمهارة مع تساؤلات الطلبة.
حسب إحصائيات معهد ماكينزي هناك 800 مليون منصب سيتم تعويضها بالربوتات في 2030في عصر الذكاء الاصطناعي و حسب نفس المعهد سيتم تعويض 39 في المائة من مناصب الشغل في الربوتات في العشرين سنة القادمة و 51 المائة من مناصب الشغل في المغرب سيتم تعويضها بالروبوتات في قطاع التعليم (الخاص و العام).