بيان حقيقة من باسو !

يونس دافقير الأربعاء 27 مارس 2024
No Image

منذ بداية رمضان، وفي كثير من التعليقات يتساءل البعض: متى سيتم اعتقال الفكاهي محمد باسو؟ ويضيف اليه البعض الآخر أسم الكوميدي طاليس. بالنسبة لهؤلاء ما "يقترفه" الفكاهيان في أعمال فنية ساخرة، هناك من يسميها الكوميديا السوداء، هو "حديث في السياسة" و "فضح للفاسدين"، وفي المغرب كل من يفعل ذلك "مصيره السجن".

وها قد تجاوزنا النصف من رمضان ومازال باسو حرا طليقا في اليوتيوب، وكذلك يفعل طاليس، لا أحد استدعاهما الى مقرات الشرطة، لا متابعة ولا هم يحزنون، باسو على سبيل المثال ينهي حلقة ليأتي بأخرى يرفع فيها سقف السخرية أعلى من الأولى، كل ما يحصل هو زيادة في الجمهور والمتابعة والإطراء، وحتى الذين لا يعجبهم عرضه، يمضون الى حال سبيلهم بحثا عن ذوق يلائمهم.

ابتلينا في المغرب بجماعة من الشعبويين والعدميين، منهم من يعتلي المنابر "الحقوقية" ومنهم من يركب صهوة الأدسنس في اليوتيوب، لقد صور هؤلاء البلد على انه "سجن كبير"، وأننا نعيش في " نظام بوليسي" تحكمه "بنية سرية"، وحتى لو وضع بعضهم نفسه تهورا أو رعونة، او حتى بحثا عن الانتقام، تحت طائلة القانون، تعلن الجماعة حربها على النظام القانوني والمؤسسات، وتنذر الناس زورا وبهتانا، أن مصيرهم السجن إن هم فتحوا أفواههم خارج عيادات طبيب الأسنان.

فضح باسو وطاليس، وقبلهم كثيرون تدليس جماعة " المغرب حبس كبير" على الناس باسم حرية جعلوها على مقاس أفهامهم ونواياهم المثقلة بحسابات الذات والمدخول وعشيرة الخلان، بينما لاحظ الجمهور حجم حرية التعبير التي تنتعش في أراضيها المغربية الأعمال الفنية الساخرة من المسؤولين، والفاضحة لأساليبهم الملتوية في الإغتناء غير المشروع من أصوات الناخبين.

لم يتابع او يعتقل باسو أو غيره، بل الذين اعتقلوا هم بعض المشتبه بهم في قضايا فساد، والمعتقل الأكبر في رمضان هو السقوط الواقعي و الأخلاقي لكل أولئك الذين حاولوا إيهام المغاربة، بأن "اللي دوا تخلا عشتو"، و " اللي انتقد السياسيين يمشي للحبس".

في هذا الشهر الفضيل لم يكن باسو وحده من رقص ضاحكا فوق خطوط يعتبرها البعض حمراء وما هي كذلك ولا ينبغي ان تكون، في هذا الشهر يظل صوت "جماعة العدل والإحسان" يصول ويجول فضاءات التواصل الاجتماعي، في تقديم وشرح "الوثيقة السياسية" للجماعة نسمع نوعا من الخطاب السياسي الراديكالي، ليس حول مسؤولي الجماعات والأحزاب، بل حول الملك والملكية.

لا نحتاج الى اعادة سرد بعض الجمل والافكار التي قيلت في ملكية يريدون إحالتها على المعاش، من المجال الدستوري الى الديني والعسكري، ثمة خطاب مناهض وليس مجرد نقدي، ومع ذلك، فإن قادة الجماعة التي تتباكى على الظلم والاضطهاد، يعودون الى تناول وجبات الفطور والسحور في بيوتهم، ويصلون تراويحهم في مساجد وزارة الأوقاف أو طوائفهم الخاصة، ولا أحد استدعاهم للسؤال عما عساهم يقولون وسيفعلون.

أين هو الاستبداد والسلطوية من كل هذا؟! وأين تكميم الأفواه؟ الواضح ان الحرية عندهم صك براءة لحماية افعالهم خارج القانون، وصكوك غفران يوزعونها على المعتوهين ايديولوجيا من قبيلة ما تبقى من يسار "ثوري" تائه بين "حداثة معطوبة" وعباءة ورثة عبد السلام ياسين.

لن يشيد قادة الجماعة بأجواء حرية التعبير هذه، ولا بما يقف خلفها من حرية تأسيس جمعية سياسية لا تنقصها غير الانتخابات كي تصبح حزبا، لكنهم سيحولون البلد الى مأثم "حقوقي" بمجرد متابعة أحدهم في حالة تعد على حقوق الآخرين، سواء كان موظفا في تمثيلية ديبلوماسية او جسدا نسائيا يتم استغلاله بخطاب دبني يتسلل من أبواب الفقر والحاجة..

تلتقى جماعة العدميين والشعبويين مع "جماعة العدل والإحسان" في هذا التحالف الذي يريدون جعله سلما ذاتيا خاصا يقيس مؤشرات الحرية في البلد، لن يستطيعوا ان يناقشوا فيما بينهم الحريات المحرجة للتحالف وايديولوجياته الشمولية، لن يقربوا حرية المرأة، ولا شكل نظام الحكم، ولا الحريات الدينية ... القانون "حيط قصير"، وهذا أقصى ما يمكنهم القفز عليه.

ما فعله باسو في رمضان هو أنه فضح هؤلاء بأن جعل أكاذيبهم في عمق سخريته السوداء، في المغرب من حقك ان تنتقد ما لا يعجبك، لكن عليك فقط ان تفعل ذلك دون تجن على الحقيقة، ودون رعونة واستفزاز وقلة أدب تقترف بها حوادث سير مع القانون والمؤسسات.

كان هذا بيان حقيقة من باسو، في المغرب سقف مفتوح للحرية، وكما ينبغي "ربط المسؤولية بالمحاسبة" ينبغي أيضا ربط الأفعال والأقوال بالمسؤولية امام القانون.