يعلمك الجبل دروسا لا حصر لها فور أن تضع قدميك على سفحه، وصعودا نحو القمة تتضاءل قيمتك أمام العملاق. بين أحضانه تجد أنك لا تساوي شيئا أمام أصغر صخرة وحجر.
يستنزف الأنفاس وتخور القوى وتتثاقل الخطوات وتتداعى كل الأعضاء متضامنة، لهذا التعب، وحدها العين تتملى بسحر الطبيعة لاسيما في مواقع خاصة كالطريق نحو «جبل الريح» أو قمة «مكون» المرتفعة إلى ما يفوق 4000 متر بين أزيلال وقلعة مكونة.
رحلة متعبة لكنها جميلة بطبيعتها وبأهاليها من سكان القرى الواقعة على طريق الرحلة «أعروس» و«إيكيس» و«تاركديت». سلكت هذا الطريق الصعب ذات صيف بعد ترك السيارة في آخر قرية هناك حيث تنتهي رحلة العجلات وتبدأ رحلة أخرى من الصعوبة بمكان.
في طريق العودة نحو أوزود تسلم السيارة نفسها للمنعرجات وكأنها ثعبان طويل بلا نهاية. طريق طويل وضيق وشاق وصعب المراس يخترق الجبال ويتلوى يمينا ويسارا نحو الأسفل تارة ثم يسارا ويمينا نحو الأعلى.
امتحان عسير على السائقين اجتيازه. هو طريق الموت بلا شك عرف حوادث مؤلمة، كان آخرها الذي وقع على مستوى جماعة آيت بوولي مؤخرا وأودى بحياة 11 شخصا.
رغم سحر الطبيعة، التي تحيط بالطريق على جنباته، إلا أن رائحة الموت تنبعث من المنحدرات، التي تتحاشاها عجلات السيارة في كل مرة تقاطعت مع سيارة أخرى أو شاحنة أو حافلة.
أحيانا تتساقط الأحجار وجذور الشجر كلما أرعدت السماء في القمة، فتسد هذه الأحجار والأتربة المتساقطة من عل الطريق، وهو ما يفاجئ السائق بين الفينة والأخرى فيحاول تجاوزها ببطء وأحيانا يضطر لإزاحتها.
تفتقر الطريق إلى الصيانة الدورية نظرا لتضاريس المنطقة وصعوبتها وتغير أحوال الطقس، فهي عادة ما تمطر مساء حتى في بعض الفترات الصيفية، وتكون شاقة أكثر وخطيرة على مرتاديها في باقي الفصول.
يحتاج سكان الجماعات القروية المتناثرة في هذه الجبال إلى طرق مهيأة ومعبدة، لأن الطريق ليست فقط معبرا للعربات بل هي المسار الرئيسي للتنمية.
وكما يتم الإنفاق على تشييد وترميم المدارس والمستوصفات بعدد من القرى فإن هذه الطرق الثانوية تلزمها صيانة سنوية وعناية خاصة ومراقبة دورية بسبب تآكلها المستمر بسبب عوامل التعرية النشطة في الجبال من مياه ورياح وانجرافات للتربة.
لا تيسر الطريق وصول الحاجيات الأساسية لسكان هذه القرى بل أيضا تيسر وصول السياح والزوار وعشاق تسلق الجبال والرياضات الجبلية بشتى أنواعها.
عشاق تسلق جبل مكون يقطعون رحلة الصعود والنزول عادة في ثلاثة أيام حسب المسارات التي يسلكونها، وفي هذه الأيام والليالي الثلاث فإنهم يكونون في الغالب ضيوفا على سكان هذه القرى، الذين يتنقلون بين منازلهم ومراعيهم صيفا وشتاء.
يتلقى الضيوف كرما لا يوصف وسواء تمت استضافتهم بالبيوت المتواضعة أو يبيتون بخيامهم في الحقول القريبة من بيوت القرويين فإنهم يحظون باهتمام بالغ ويضطر سكان هذه القرى إلى اقتسام طعامهم ومائهم معهم.
طريق الموت يجب أن تتحول في الحقيقة إلى طريق للحياة.