الفاعلة الحقوقية لبنى الجود : اليوم العالمي للنساء احتفاء بنضالهن من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية

لبنى الجود الجمعة 08 مارس 2024
No Image

يعتبر اليوم العالمي للمرأة تذكيرا بالإنجازات النسائية في كل المجالات و رسما لمعالم تحديات جديدة في إطار النضال النسائي الذي يهدف بالأساس إلى تكريس المساواة في الحقوق و الواجبات بين النساء و الرجال.

و إذ يحتفل العالم أجمع بهذا اليوم النضالي محترما هويته و أسسه ، فهناك من يسعى إلى تمييعه، قصدا أو عن غير قصد، عبر إختصاره في هدايا و حلويات و ورود، بيد أن الوقوف عند الأرقام و الإحصائيات التي تترجم معاناة النساء في كل بقاع العالم و نضالهن المستميت في سبيل الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية هو الأساس.

تأتي هذه الذكرى السنوية العالمية ، و المغرب يعيش مخاضا حقيقيا ستطبع مخرجاته حياة النساء و الأمهات و تشكل منعطفا تاريخيا هاما، إذ نادى الملك محمد السادس نصره الله ، في خطاب العرش لسنة 2022 بضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات، مذكرا بأن جلالته قد حرص منذ اعتلائه العرش، على النهوض بوضعية المرأة، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، و في هذا الإطار، كان إصدار مدونة الأسرة سنة 2004 ، و إعتماد دستور 2011، الذي يكرس المساواة بين المرأة والرجل، في الحقوق والواجبات، وينص على مبدأ المناصفة،كهدف تسعى الدولة إلى تحقيقه.
هذا و قد سطر الملك محمد السادس نصره الله ، على أن الأمر لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية, فدعا جلالته لتفعيل المؤسسات الدستورية، المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها.

و في رسالة موجهة لرئيس الحكومة بتاريخ 26 شتنبر 2023 ، نادى جلالته بضرورة إعادة النظر في مدونة الأسرة قصد تجاوز العيوب و الإختلالات التي ظهرت عند تطبيقها القضائي و مواءمة مقتضياتها مع تطور المجتمع المغربي و متطلبات التنمية المستدامة، و تأمين إنسجامها مع التقدم الحاصل في تشريعنا الوطني، إنسجاما مع خطابه السامي أمام البرلمان أثناء الدورة الأولى من السنة الثانية من الولاية التشريعية السابعة و ذلك يوم 10 أكتوبر 2003 حيث إستنكر جلالته الحيف الممارس على المرأة قائلا :

" كيف يمكن الرقي بالمجتمع والنساء اللواتي يشكلن نصفه تهدر حقوقهن ويتعرضن للحيف والعنف والتهميش في غير مراعاة لما خولهن ديننا الحنيف من تكريم وانصاف ؟"

هو إذن توجه ملكي سام منذ أن تولى محمد السادس نصره الله عرش أسلافه الميامين، لم يزغ عنه قيد أنملة، فالنساء شقائق الرجال و الأسرة هي أول خلية للمجتمع، وجب الحفاظ عليها و مساندتها عبر حماية عمادها و هي الأم، و على هذا الأساس ، وجب الوقوف عند التحديات و مواجهة قساوة الأرقام بمقترحات و بدائل هدفها الإصلاح.

و قد أطلعت المندوبية السامية للتخطيط في تقريرها السنوي الأخير، و الذي يتعلق بالإحصائات و الدراسات التي قامت بها معية مؤسسات الدولة و المجتمع المدني لغاية سنة 2022, أن نسبة العنف المنزلي بلغت 52,1%، وتقارب هذه النسبة في فضاء الدراسة والتكوين 19%، وفي فضاء العمل 15,4%، وفي الفضاء العام 12,6%، وتبلغ النسبة في مختلف مجالات العيش 56,5%, أما العنف الجنسي، فقد بلغ 14% إلى حدود سنة 2022 في حين كان يبلغ نسبة 8,7% في سنة 2009.

كما سجلت المندوبية إرتفاعا ملحوظا في المس بالحرية للفردية للنساء إلى 34,6%، والعنف النفسي إلى49,1%، والجسدي إلى 13,3%، والاقتصادي إلى 15,1%.

أما عن نسبة عمل النساء بين 25 و 34 سنة ، فلا تتعدى 20,6% مقابل 76,8% عند الرجال ، و لا تتجاوز 22،9 % عند النساء بين 35 و 44 سنة ، مقابل 89,7% من نفس الفئة العمرية.

و تعتبر هذه الإحصائيات دليلا على أن طريق المغرب أمام تكريس مبدإ المناصفة لا زال طويلا، و أن الإصلاحات التي دعى لها الملك محمد السادس نصره الله ، على مدونة الأسرة ، هو تأهيل للأسرة المغربية بغية تغيير عقليات سائدة في المجتمع، تشكل حجر عثرة أمام كل طموحات الدولة المغربية نحو الحداثة و التقدم و الإزدهار و النماء.

و تجدر الإشارة إلى أن الذكورية هي طريقة تفكير تحملها النساء كما الرجال، يتم تصريفها من خلال تربية الأبناء، على أسس التفضيل و التفرقة بين الجنسين، مما يترتب عنه خلق هوة بين النساء و الرجال، بعيدا عن قيم التعاون و زرع المحبة و التكامل، فيتمخض عن ذلك صراع ما كان ليكون، لو كان العدل و المساواة، و الإحترام و الود و تغليب الكفاءة على التمييز المبني على الجنس.

و لعل القوى الحية التقدمية على وعي تام بحجم التحدي التي هي بصدد رفعه ، خاصة أمام مد ظلامي لطالما إمتهن تحوير النقاشات و اللجوء للتكفير من أجل الحفاظ على مكتسباته القائمة على إعتبار النساء أقل شأنا و قيمة من الرجال، و على هذا الأساس وجب طمس أفكارهن و طموحاتهن و إعتبارهن أجسادا وجب سترها، و الإستمتاع بها و في نهاية المطاف تركها على الرف و السعي وراء المثنى و الثلاث و الرباع من قاصرات ذوات أجساد في طور النمو.

إن التعديلات على مدونة الأسرة التي نادى بها ملك المغرب حفظه الله، هي حجر أساس نحو مجتمع مأمول ، يجمع بين الأصالة و المعاصرة، فلا هو إفراط و لا هو تفريط، و قد قدم جلالته بصفته أميرا للمؤمنين، ضمانات لا جدال فيها حول تشبته بالنصوص الدينية و تشجيعه للإجتهاد ، بعيدا عن مزايدات سياسوية ضيقة، لا مكان لها في ذاك المغرب الذي يطمح إليه الملك و الشعب, و هذا هو الجوهر و الأساس.