حالة شرود !

يونس دافقير الخميس 07 مارس 2024
No Image

منذ إعادة هيكلته سنة 2004، حرص أمير المؤمنين على أن يبقى المجلس العلمي الأعلى في منأى عن التقاطبات الحزبية والايديولوجية بين الفاعلين في الحقل السياسي ونظامنا المؤسساتي. كان قرارا حكيما بالنظر إلى السلطة الروحية التي يمتلكها المجلس في علاقته بجمهور المؤمنين.

وحرص المجلس على ان تنصب تدخلاته على ماورد في أسباب نزول إعادة هيكلته؛ محاصرة التطرف الديني العنيف، ورعاية الأسلام المغربي المعتدل، وقد جاء في الظهير المحدد لصلاحياته انه يعمل على " ضمان الأمن الروحي للمغاربة، وحراسة الثوابت الدينية للأمة والمتمثلة في العقيدة الأشعرية، والمذهب المالكي، والتصوف السني".

وبالنظر لحساسية مهامه ومجال تدخله، أغلق نظامه القانوني الباب في وجه أي نزعة فردية أو هوى شخصي. فهو لا يتخذ قراراته بآلية التصويت، ولا بمبادرة فردية، إنما ينبغي أن يكون هناك تصويت بالإجماع. وما ينطبق على القرارات العادية، ينطبق على الفتوى التي يختص بها المجلس وحده.

فمثلا لايمكن لعضو في المجلس او مجموعة أعضاء أن يدلوا بآرائهم الشخصية، بصفتهم هذه، فيما يعتبر حلالا أو حراما في مستجدات الحياة، ولا ان يقوموا بمناسبة ممارسة مهامهم التمثيلية لدى باقي المؤسسات الدستورية، بالحكم عما ان كانت هذه المؤسسات تساير الشريعة أو انها تخالفها، فذلك اختصاص لمؤسسة المجلس وفق مساطر محددة، وليس تفويضا فرديا لحاملي العضوية فيه.

سبق لي ان أجريت حوارا صحفيا مع الأمين العام للمجلس السيد محمد يسف، تطلب تحديد موعد اللقاء كثيرا من الإلحاح والوقت، فالمجلس يحرص على أن لا يكون من نجوم الصحافة، ولا مادة للأستهلاك في السوشل ميديا، نقولها مرة أخرى: وقار مكانته وتمثيليته تدفعه لأن يكون قليل الظهور عكس مجالس القرب المحلية، كما تفرض عليه أن لا يدخل لعبة "شد لي نقطع لك".

غير أن ممثل المجلس العلمي الأعلى لدى المجلس الوطني لحقوق الإنسان وضع كل هذه القواعد جانبا، وراح منذ أيام يصدر فتواه الخاصة في مدى تلاؤم مذكرة مجلس السيدة أمينة بوعياش، بخصوص تعديلات مدونة الأسرة، مع أحكام الشريعة الإسلامية.

بل إن الرجل أصبح مخاطب الصحافة في الحلال والحرام داخل المجلس الحقوقي، يكفي ان تركب رقم هاتفه كي تحصل على تصريح/" فتوى"، من الواضح ان صوره في المواقع الالكترونية راقته كثيرا حتى أغوته بنجومية ليس ذلك لا مكانها ولاتوقيتها.

تقوم فكرة وجود ممثلين عن يعض المؤسسات لدى المجلس الوطني لحقوق الانسان على فكرة التشاور والتعاون في القضايا التي تدخل في اختصاصها، والحال ان ممثل المجلس العلمي الأعلى جعل من المجلس خصما يقوم بالتحريض المعنوي عليه، ويمكن للمرء ان يتساءل: ما الفرق بين هذا الشخص وبين أي أصولي متطرف يبحث عن البوز في اليوتيوب.

منذ أسابيع يحاول الإسلاميون جر النقاش الهادئ والمسؤول حول تعديلات مدونة الأسرة إلى ملعب الفتنة والإحتقان المجتمعي، وقد شاهدنا كيف يسعون إلى ذلك بكثير من الإفتراء والتضليل، ومن المؤسف والخطير في الآن نفسه أن يجد المجلس العلمي الأعلى نفسه وقد حشر في تجاذبات ظل دائما يترفع ويسمو فوقها.

يمكن لممثل المجلس أن تكون لديه ملاحظات، ومن حقه ايضا ان يبدي تحفظات واعتراضات، لكن مجالها ليس هو الفرجة الصحفية، بديهيات العمل المؤسساتي تقتضي ان يرفع تقريره الى رئيسه في المؤسسة التي يمثلها، هناك حيث يمكن للسيد محمد يسف أن يتواصل مع أمينة بوعياش، ويكون الموقف مؤسساتيا وليس بحثا عن نجومية فردية.