الحكامة المطلوبة

حكيم بلمداحي الاثنين 04 مارس 2024
No Image

لأي شيئ تصلح مؤسسات الحكامة إذا لم يكن هناك تفاعلا مع تقاريرها وتوصياتها؟
مناسبة هذا التساؤل، الذي يفرض الاستنكار بكل قوة، هي تواتر التقارير التي تشتكي من عدم مراعاة توصياتها.. آخر هذه التقارير، تقرير مؤسسة الوسيط، وتقرير المجلس الأعلى للحسابات. الأول أورد رقما مخيفا حيث بلغت نسبة التوصيات غير المنفذة حوالي 88 بالمائة. والخطير في الأمر وجود مؤسسات هي عصب تدبير الشأن العام في الدولة، كوزارة الداخلية ورئاسة الحكومة، على رأس المؤسسات التي لا تستجيب لتوصيات الوسيط.

التقرير الثاني يتعلق بالمجلس الأعلى للحسابات حول صرف الأحزاب السياسية للدعم العمومي، وهي توصيات مكرورة تعاود الحديث عن ضعف البنيات البشرية والتقنية للأحزاب السياسية، مما يسمح بصرف أموال عمومية دون إثبات لنفقات التدبير بالخصوص.

تقرير المجلس الأعلى للحسابات وقف مرة أخرى على نقص الوثائق لدى كل الأحزاب وقلة منها لا تتجاوز الأربعة استطاعت أن تثبت جزءا من مواردها الذاتية...
غير أن المثير في تقرير المجلس هو ما يتعلق بالدراسات، حيث وقف المجلس على عدة اختلالات قد تتجاوز الخطإ التقني والإداري إلى الأخطاء الأخلاقية والقانونية. وقد تبين نوع من محاولة تبرير النفقات في هذا الجانب بتقديم معطيات بعضها لا يتوافق مع طبيعة الدراسات المطلوبة، سواء من حيث المنهجية أو من حيث القيمة العلمية لما تقدمت به بعض الأحزاب.

بين تقريري مؤسسة الوسيط وتقرير المجلس الأعلى للحسابات تظهر الحاجة الملحة إلى إعطاء مؤسسات الحكامة مكانتها اللائقة، وإيجاد طريقة تأخذ فيها توصيات هذه المؤسسات صفة الإجبار وتفرض على الجهات المعنية بها التفاعل الإجباري.

لقد جاء التقرير الأخير للوسيط ليكرر ما جاء في تقارير سابقة، وليعاود الحديث عن عدم قيام مؤسسات الدولة، الكبيرة منها، بعدم التفاعل معه وعدم تنفيد توصياته، بل الخطير في الأمر هناك شكايات لا تقدم فيها هذه المؤسسات جوابا على الإطلاق، أو تجيب بمبرر تعذر التنفيد.

تقرير المجلس الأعلى للحسابات هو الآخر يقدم توصيات ويعيد تقديمها مع تواتر تقاريره، فلا تجد هذه التوصيات طريقة للتنفيذ، بل الأخطر من هذا يتم في بعض الأحيان، التعامل مع تقارير المجلس بنوع من اللامبالاة والتعالي وأحيانا بمهاجمة تقاريره وتوصياته بعجرفة.

ما يتعلق بمؤسسة وسيط المملكة والمجلس الأعلى للحسابات، انطلاقا من تقريريهما الأخيرين، ينطبق على مؤسسات أخرى للحكامة، تقدم التقارير والتوصيات، وبعد فترة من الاستهلاك الإعلامي تعود الآلة إلى طريقة اشتغالها بالشكل الذي تم انتقاده في التقارير وتستمر الحياة وكأن شيئا لم يقع.

غير أن الخطورة في الأمر هو ما يمكن أن يحدث من ممارسات فساد يتم التحايل عليها بشكل أو بآخر، وهنا تكمن المشكلة، ونصبح أمام أمر لا يعني فقط جوانب تدبير، بل ندخل في ممارسات تقوض معنى الدولة الحديثة، وتعرقل التنمية والتطور والتقدم .

لقد تم اللجوء إلى إنشاء مؤسسات الحكامة لتؤدي مهام استشارية وحمائية وتنبيهية وقد تكون رقابية.. لكن عدم إعطاء هذه المؤسسات مكانتها، التي هي في الأساس دعامة لدولة الحق والقانون، سيقوض الهدف من وجودها، وبالتالي يتم فتح باب الفساد وغياب الحكامة الجيدة على مصراعيه.