دافقير يكتب : قليل من الديمقراطية يكفي

يونس دافقير الأربعاء 28 فبراير 2024
حزب-الاستقلال-960x540
حزب-الاستقلال-960x540


بالنسبة لكل الديمقراطيين ثمة اخبار طيبة ترد من البيت الاستقلالي، الإستقلاليون يتجاوزون تدريجيا عقبات الطريق الى مؤثمرهم الوطني، آخر محطات ذلك توافق اللجنة التنفيذية للحزب على ترشيح نزار بركة للبقاء في منصب الأمين العام.

ومع الطيبة التي في خبر الإبحار نحو الخروج من البلوكاج التنظيمي داخل الحزب، قد لا يبدو اختيار المرشح الوحيد مقنعا للكثيرين، على الأقل بمقياس الشكلانيات الديمقراطية، وحتى إن ظهر منافس اثناء المؤثمر، سيكون مجرد مؤنس سباق محسوم سلفا، توافقات أطراف الأزمة في محور الرباط _العيون خطوط حمراء امام القواعد.

من الصدف ان يتزامن هذا الاختيار "الديمقراطي" الأحادي لدى حزب الاستقلال في انتخاب قيادته، مع اسلوب مماثل انتهجه حزب الاصالة والمعاصرة، في المؤثمر الخامس حسمت "القيادة الثلاثية" مسبقا سباق قيادة التراكتور

كي يعلم حزب الاستقلال كيف سيكون رد فعل الجمهور السياسي على التوافق التنظيمي حول نزار البركة، يكفيه ان يطلع على ما قيل عن حزب الاصالة والمعاصرة، وصل الأمر حد وصف اختيار "القيادة الجماعية" بأنها "مذبحة ديمقراطية"، و " فضيحة سياسية" و " عقم تنظيمي"...

في هذه التوصيفات تهويل ومبالغة، ومع ذلك هناك أزمة نخب وأعطاب ثقافة ديمقراطية داخل احزابنا، حين لعب الاستقلاليون مقابلة مفتوحة في اختيار الأمين العام في آخر مؤثمر لهم تراشقوا بالصحون، اما حزب العدالة والتنمية فقد قادته لعبته السياسية الديمقراطية المفتوحة بين الأعضاء إلى الانهيار من داخل..

وفبل الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة أبدع الحزب الاشتراكي الموحد في اختيار قيادته، الأمينة العامة التي استنفذت ولاياتها التنظيمية، عادت الى قمرة القيادة من بوابة نائبة الأمين العام، لكنها عمليا تبدو "نائبة مكلفة بمهام الأمين العام"، في القصة وحي روسي، لما استكمل بوتين ولاياته الرئاسية أحضر ميدفيديف الى منصب الرئيس، وكان هو رئيس حكومة مكلف عمليا بمهام الرئيس، الى ان استعاد منصبه الرئاسي من جديد.

خرج حقلنا الحزبي منهكا من سياقات "الربيع العربي" هو المنهك اصلا منذ ما بعد " حكومة التناوب"، وبسبب هشاشتها التنظيمية تتخوف احزابنا من خراب التنافس الديمقراطي او نتائجه غير المتوقعة، لذلك تعود لتحتمي بتقاليد التوافق والإجماع، تعود الى الكواليس والصفقات، الى منطقة البرود التي لا تشبع شهية الجمهور الديمقراطي وتطلعه للفرجة.

مؤخرا اجتهدت. فاطمة الزهراء المنصوري في توضيح هذه النقطة، السيدة الأولى في القيادة الجماعية للبام قالت انه ليس هناك شكل واحد لممارسة الديمقراطية، فهي تمارس إما بالانتخاب او بالتوافق، على كل حال ذلك ديدننا المغربي ولا جديد عليه: التوافق كلمة لم تخرج من قاموسنا السياسي منذ فكرة "التناوب التوافقي".

لنعد الى حزب الاستقلال، هذا التراث الحزبي الوطني يعيش حالة شلل منذ اخر مؤثمر له، التطلعات التي حملها نزار بركة لما بعد مرحلة حميد شباط غرقت في صراع التوازنات الداخلية، النزيف يواصل ضرب ماكينته الانتخابية، في الحكومة لا يكاد المرء يعثر على اثر للحزب، ولولا الورش الملكي في قطاع الماء لما ظهرت صور البركة في التلفزيون ..

اصبح الاستقلال حزبا خاملا، بعدما كان أحد ضباط إيقاع المشهد الحزبي المغربي. والمفارقة ان الحزب الذي ناضل من اجل الديمقراطية ودولة القانون، يوجد اليوم في نزاع مع القانون، منذ ما قبل 2020 لم يعقد مجلسه الوطني، وأجل مؤثمر اكثر من مرة، وهو اليوم يوجد تحت طائلة عقوبات قانون الأحزاب.

ومن الواضح ان الاستقلاليين لم يجدوا مخرجا من هذه الورطة إلا بالتوافق، ولو كان توافقا بطعم المرشح الوحيد، ففي بعض الأحيان القليل من الديمقراطية يكون انفع من كثيرها، وفي حالات المرض يؤخذ الدواء جرعات ..

لاضير في ذلك، سوى أن ديمقراطية الجرعات طالت كثيرا في البيوت الداخلية لأحزابنا.