دافقير يكتب : الألف واللام من التعريف إلى الإعتراف

يونس دافقير الخميس 22 فبراير 2024
No Image


في اللغة تلعب الألف واللام دور التعريف، ويقال في بعض التعريفات أنه "أذا دخلت الألف واللام على إسم نكرة يجعله معرفة، فوجود الألف واللام في بداية الإسم يفيد التحديد بعد أن كان شائعا أو هاما لايدخل تحت الحصر والتعيين".

وفي اللغة الديبلوماسية المغربية الإسبانية اصبحت الألف واللام أداة اعتراف، وفيها يقال "الأساس" بدل " أساس"، كان ذلك تحولا ليس فقط في موقف مدريد، بل وأيضا تراجعا للأفضلية الفرنسية في ترتيب الداعمين للحكم الذاتي.

وردت عبارة ان " مبادرة الحكم الذاتي هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" " في الرسالة التي وجهها بيدرو سانشيز الى الملك محمد السادس في مارس 2022، وتكررت في البيان المشترك لأبريل من نفس السنة، لكن قليلون هم من انتبهوا لذلك، وهم معذورون على كل حال، تلك الالف واللام، الكبيرة والثقيلة في ميزان الكلام الديبلوماسي، كانت تفصيلا صغيرا ودقيقا، وقد لا تنتبه له العين اثناء القراءة او الاذن خلال الاستماع.

كان من نتائج هذا الموقف الاسباني الثوري إقليميا ان وجه الملك دعوة لبيدرو سانشيز للعودة لزيارة القصر الملكي، لكن سانشيز كان عليه ان يكون موضوع استفتاء حول الصحراء، ويخوض انتخابات رئاسية شاقة أحيت مخاوف بعضنا، وطموح خصومنا لأسقاط الميل الإسباني نحو المغرب، و في النتيجة صوت الاسبان وعاد سانشيز الى الحكومة، والى قصر الرباط.

وكانت العبارة نفسها بعد سنة كما نقلها بلاغ الديوان الملكي في فبراير 2024، اسبانيا تعتبر " الحكم الذاتي الأساس الأكثر .. "، لقد بدا واضحا اكثر انه موقف دولة وأمة وليس مجرد اجتهاد حكومة او رئيس اشتراكي.

هل من الضروري الإشارة مرة أخرى إلى انها واحدة من العمليات الهندسية الكبرى لديبلوماسية الملك محمد السادس؟ لا داعي لذلك، بعض الإنجازات تتحدث عن نفسها بنفسها، هذا الملك لاعب ماهر في الرقعة الدولية.


لما تم تهربب كبير انفصاليي البوليساريو للعلاج في اسبانيا غضب المغرب من هذه الخطوة غير الودية، وقام بردود الفعل التي يتطلبها مقام اهتزاز الثقة، لكن وعلى العكس من جيراننا الجزائريين الذين يحواون الأزمات الى صراع ابدي، جعل الملك محمد السادس من اللحظة الظرفية استثمارا استراتيجيا، ومن الأزمة فرصة اقتنصها حكماء المملكة الايبيرية.

في الواقع امتلكت اسبانيا ليس الذكاء الجيوسياسي وحده، بل الشجاعة ايضا، شجاعة التخلص من عبء التاريخ الاستعماري، ومن الابتزاز الاقليمي الجزائري، كان ذلك ضروريا في لحظات غير فيها المغرب ميزان القوى الدولي لصالح وحدة اراضيه وسيادته الوطنية.

وهي لحظات قال فيها العاهل المغربي كذلك في خطاب 20 غشت 2022 " إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".

فهمت مدريد الرسالة التي لم تلتقطها باريس، واليوم تتقدم المبادلات التجارية والشراكات المغربية الاسبانية على نظيرتها المغربية الفرنسية، وقبل ان يغادر الرباط قال بيدرو سانشيز للصحفيين :" ان إسبانيا تعد شريكا مرجعيا للمغرب باستثمارات متوقعة تناهز 45 مليار أورو في أفق 2050"، وزاد قائلا:" الشراكة الاقتصادية الثنائية مدعوة لمزيد من التوطيد خاصة في سياق التنظيم المشترك للبلدين، مع البرتغال، لكأس العالم لكرة القدم 2030".

لعب المغرب واسبانيا ديربي ديبلوماسي إقليمي بينهما انتهى بمصالحة وتفاهم تاريخيين، وهما الآن يتوجهان الى التنظيم المشترك للمونديال الكروي. في الواقع كل شيء يسير عبر صدف التاريخ والتوقيت نحو كتابة صفحة ود جديدة بين طرفي الأقصى الغربي للضفتين المتوسطيتي، الأكثر من ذلك، قدمت المملكتان العريقتان نموذجا راقيا ومثمرا في تسوية النزاعات الدولية الثنائية.

يمكن لفرنسا، التي سيحل وزير خارجيتها بالرباط لبحث مصالحة اخرى مغربية فرنسية، أن تسير على نفس النهج الإسباني، وكما فتح الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء ابواب مدريد وبرلين امام الحكم الذاتي، يمكن ايضا لاسبانيا والمانيا ان تفتحا بابا جديدا في باريس، الديبلوماسية تقوم على تبادل المصالح، والشاطر من يعرف استغلال تضارب مصالح الدول.