الحزب يكون بعدل وليس بإحسان

يونس دافقير الثلاثاء 20 فبراير 2024
No Image



يريد السيد فتح الله أرسلان، الرجل الثاني في جماعة العدل والإحسان، أن يبلغ عموم الناس أن الجماعة توجد في وضعية تسمح لها بتأسيس حزبها السياسي، وأن المشكلة الديمقراطية توجد في الطرف الآخر، الدولة التي عليها أن تقبل ما يمكن ان نسميه حالة الأمر الواقع .

وليطمئننا السيد أرسلان يخبرنا أن الخلافة غير واردة في البرنامج المرحلي للجماعة حاليا، وأنها "القوة السياسية الأولى" حتى وإن لم تكن حزبا، وقد قدمت في وثيقتها السياسية ما يكفي من تصور وتوضيح.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها الجماعة المسألة بهذا التبسيط، على الأقل منذ تأسيس "الدائرة السياسية" سنة 1998، في الواقع هناك ارتباك في مواقفها بهذا الخصوص، فهي تخبرنا تارة بأن "الانتخابات غير النزيهة" و"الدستور الممنوح" لا تشجعانها على تأسيس حزب، ثم تعود تارة أخرى إلى إخبارنا أنها تواجه "تعسف السلطوية" التي ترفض إضفاء الطابع القانوني على حالة غير قانونية.

في حواره مع "هسبريس" يطرح فتح الله أرسلان السؤال: "هل الدولة مستعدة لتعطينا حزبا؟"، لكنه لا يخبرنا كيف يريد أن يتم ذلك، هل برسالة بريدية أم باستقبال فخري، أم يأتي التصريح مخفورا أمنيا إلى مبنى الجماعة في سلا، أو إلى مقرات سكنى قياداتها.

بعيدا عن هذه الصورة الكاريكاتيرية، يبدو أن أرسلان يطرح المسألة بشكل مقلوب، هو يدعها تمشي على رأسها بدل أن تمشي على قدميها. المسألة مطروحة على هذا النحو: تقتضي المساواة أمام القانون أن تسلك الجماعة، في البحث عن تنظيمها الحزبي، نفس الطرق التي سلكتها جميع الأحزاب السياسية المغربية.

في النظام القانوني المغربي يتأسس الحزب بعدل وليس بإحسان، وهو حالة قانونية وليس منحة أو صفقة سياسية، وهو الممكن المتاح وليس المثال الخرافي، حتى الأحزاب التي كان لديها موقف من الانتخابات ومن الدستور وحتى حجم النظام الملكي، تدبرت مشروعيتها السياسية داخل الشرعية القانونية والنظام المؤسساتي.

" الدولة المدنية" التي ضمنتها الجماعة وثيقتها السياسية هي واحدة من تعبيرات "الدولة العصرية"، وهي تقوم على حكم القانون والمؤسسات. في الدولة المدنية أو في الطريق إليها، توضع قواعد معيارية عامة لتأسيس حزب سياسي. وميزة هذه القواعد أنها تكون عامة ومجردة، وليس فيها هوامش لشطارة السوق والشارع.

مشكلة العدل والإحسان كما يتجدد التأكيد عليها في حوار السيد فتح الله أرسلان، أن الجماعة تريد تأسيس حزب ضمن شروطها وليس ضمن شروط القانون، وأن تفرض قواعد اللعبة لا أن تلائم وضعيتها مع شروط اللعب الجماعي.

على الأقل هناك ثلاث حوادث سير للعدل والإحسان مع القانون في طريق رغبة امتلاك الجماعة لحزب:

أولا : تقوم اللعبة السياسية الحزبية تحت السقف الوطني، وضمن حدود الدولة الوطنية، بينما للجماعة مشروع استراتيجي لإقامة الخلافة في الأقطار الإسلامية. تطرح "السلطة" هنا كلعبة عابرة للحدود، مرتبطة بمشروع دولي مستقبلي غير واضح المعالم، الأممية الاشتراكية إطار للتنسبق، والاتحاد الأوروبي تكتل اقتصادي، بينما الخلافة نظام سلطة وحكم، هل يسخر منا أرسلان بهذا التشبيه!!

ثانيا : خارج اقتراحات عامة في الإطار الدستوري، لا تحدد الجماعة بوضوح موقفها من النظام الملكي، ولا السقف البرلماني للتغيير الذي تنشده، الملكية جوهر النظام الدستوري المغربي، بينما يتسم الأفق السياسي للجماعة بالشهية المفتوحة لالتهام المجالات الملكية بما فيها مجال الدفاع الوطني.

ثالثا : العدل والإحسان حركة دينية معارضة، بينما يمنع النظام القانوني تأسيس أحزاب على أساس ديني، في الوثيقة السياسية تصرح الجماعة بوضوح أن وظيفة الحزب تقتضي إلزاما أن تكون في خدمة الدعوة الدينية. الأمر لا يتوقف عند هذه الحدود، للجماعة موقف ملتبس ومقلق من إمارة المؤمنين، بينما في نظامنا السياسي لا تتأسس الأحزاب لمعارضة أمير المؤمنين، ذلك باب الفتنة والخراب.

إن أرادت الجماعة أن تكون حزبا، عليها أن تتجاوب مع دفتر التحملات القانوني القائم. الديمقراطيات لا تفاوض من يتربص بها، ولا تعطي استثناءات وامتيازات، هي تضع معايير عامة تسري على جميع المواطنين، اللهم إن كان ورثة عبد السلام ياسين يرون أنفسهم جمهور مؤمنين فوق الدولة والمواطنين.