أكد رئيس كل من مجلسي البرلمان على أهمية الالتزام بالتوجيهات الملكية من أجل اعتماد مدونة للأخلاقيات التي جاءت في الرسالة الملكية التي وجهت للبرلمان بمناسبة الذكرى الستين لإحداثه، واتفقا على ضرورة وضع مدونة لسلوك البرلمانيين ينتهجونها ويلتزمون بقواعدها من أجل استرجاع ثقة المواطنين في جدوى العمل البرلماني ومصداقيته في التشريع والرقابة وتقييم السياسات العمومية والديبلوماسية البرلمانية.
لكن اختلاف المقاربة في تنزيل التوجيهات الملكية تضع مبدأ التناسق والتناغم والتكامل الدستوري بين غرفتي البرلمان على المحك السياسي .بين تنزيل التوجيهات الملكية في شكل مدونة مستقلة في مجلس المستشارين، وبين تضمين مقتضيات لتخليق السلوك في النظام الداخلي لمجلس النواب.
يبدو أن الإشارة الملكية بضرورة اعتماد مدونة الأخلاق للبرلمان واضحة لا غبار عليها، إذ تؤسس لمرحلة أخرى من تاريخ العمل البرلمان ببلادنا، من خلال الانتقال بالمؤسسة التشريعية من مؤسسة حاضنة للبرلمانيين إلى مؤسسة تستقبل البرلماني المواطن المتعاقد مع نفسه ومع من يمثلهم بتعاقد أخلاقي يؤسس للثقة فيما بينهم، ويؤسس قواعد الثقة للصرح التشريعي ويحافظ على دوره الدستوري.
مقاربة راشيد العلمي رئيس مجلس النواب لم تستوعب بالشكل المطلوب روح الرسالة الملكية، وتحكمت فيها رهانات سياسية معينة وغلبت عليها ما يمكن أن نسميه بـ "الأنانيات المؤسساتية" كما لو انه ورش تخليق العمل البرلماني يهم سوى مجلس النواب.
صحيح ان البرلمانيين المتابعين بمجلس النواب كثر، والصحافة تحدثت عن ما زيد عن 20 نائبا برلمانيا تحوم حولهم الشبهات، مما يزيد ترسيخ الصورة النمطية حول مؤسسة البرلمان لاسيما مع ضعف التواصل والانفتاح الذي تعاني منه.
إن مقاربة رئيس مجلس النواب لا تسير في اتجاه إرساء مدونة مؤسسة لقواعد أخلاقية إلزامية كما جاء في الرسالة المولوية لممارسة العمل البرلماني . فأغلب المدونات المتعلقة بأخلاقيات المؤسسات البرلمانية تكون مدونات مستقلة عن الأنظمة الداخلية للمؤسسات التشريعية، وتذهب بعض التجارب الدولية إلى كون أنها تستحدث من طرف لجنة مستقلة عن البرلمان، ولا يبقى للبرلمان سوى سلطة المناقشة والتصويت من أجل إقرارها.
من المؤكد أن سلطة المحكمة الدستورية ستكون فاصلة بشان التعديلات المتضننة في النظام لمجلس النواب، على اعتبار أنها وجوبية بقوة الدستور، اللهم الإ تم تدارك الأمر في اتجاه إرساء "مدونة الاخلاقيات" مستقلة بتنسيق تام مع مجلس المستشارين.
أعتقد أن الدعوة إلى تضمين قواعد أخلاقية إلى النظام الداخلي قد يفوت على المغرب فرصة إخراج مدونة أخلاقية مواطنة، تؤسس لقواعد سلوكية وأخلاقية يلتزم بها المواطن المرشح لنيل مقعد البرلمان، وكذلك قواعد تنظيمية للعمل البرلماني صارمة تساهم في تخليق الحياة البرلمانية وإرجاع الثقة في مؤسسة البرلمان كعماد للديمقراطية.
سعيد بركنان
باحث في العلوم السياسية