مصنع الفرح

محمد أبويهدة الجمعة 12 يناير 2024
No Image

AHDATH.INFO

المشاعر التي تخلقها انتصارات الأسود، والتي تجتاح الجمهور نساء ورجالا، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء في الآن ذاته.. الرغبة الجامحة في مشاركة هذه المشاعر مع الجميع والنزول إلى الشارع لتقاسمها وتبادل شعارات النصر والتلاحم.. الإحساس الذي ينطلق فجأة حين الاستماع إلى النشيد الوطني قبل كل مباراة وما يخلفه في النفس والجسد من قشعريرة وحماسة.. الإصرار على رفع العلم الوطني الزاهي بلونيه الأحمر والأخضر والحرص على إشهاره فرادى وجماعات والالتفاف حوله..

ماذا نسمي كل هذا إذا لم يكن تعبيرا عن الانتماء؟

لكنه انتماء إلى ماذا؟

إلى مغربنا الذي نصنعه بالأفكار والسواعد، بالإخفاق والنجاح، بالمبادرة والابتكار، بالحداثة والتقدم، بالتراث والأصالة.

أحيانا تلعب أشياء بسيطة دورا أساسيا في كسب خطوات إلى الإمام، وفي بث دينامية تكسر وضعية الانتظار.

للكرة منطقها الخاص في خلق هذه الأشياء الجميلة تلاحقنا وتدفعنا باستمرار إلى التشبث بالأمل، اقتداء بأهداف النصر المسجلة في آخر أنفاس المباراة والتي تقيم الدنيا وتشغل الناس.

لا يستدعي الفرح وضعا اجتماعيا معينا، ولا يقتصر على فئة دون أخرى، فهو كالعدوى ما إن يصيب الفرد حتى ينتقل إلى الجماعة.

يستطيع المغرب والمغاربة أن يحولوا مثل هذه الفرص إلى نجاحات. نتذكر كيف قفز اسم مغربنا عاليا في كل المنتديات العالمية، وكيف تمكن من كسب أفواج جديدة من السياح بفضل ملحمة قطر، وكيف أعلى من قيمة العائلة في مشاهد قل نظيرها لفتت أنظار العالم.

يستطيع المغرب والمغاربة أن يحولوا لحظة حزن إلى فرصة مجتمعية لبث روح التضامن وإبراز القيم الأصيلة وأن يقدموا من جديد درسا للعالم في التلاحم والوحدة الوطنية في أصعب موقف مباشرة بعد كارثة زلزال الحوز.

وحتى عندما يظهر الخلل نستطيع بتوفر الإرادة تقويمه وفق ما يتطلبه الموقف بالقانون الذي يعتبر فوق الجميع ولا يخضع أبدا للابتزاز ولا للمحسوبية، وبالقضاء النزيه الذي لا يخضع لنزوة ولا حسابات.

ما عدا ذلك، فهذا الشعب يستطيع أن يصنع الفرح والبهجة، ألم يطلق على مدينة بأكملها هذا الاسم لقدرة أبنائها على صناعة البهجة في كل لحظة وحين بخفة الروح وحلاوة اللسان والكلمة الصادقة؟

لهذا الشعب قائد يفرح لأفراحه ويحزن لأحزانه وهو أب العائلة الكبيرة، يتقدم المشهد في كل المواقف مهما بلغت صعوبتها، لأنه وهب نفسه للوطن، بحكمة ورؤية تستبق الأزمات وتحسن تدبيرها وتفتح آفاق الخلق والابتكار لخدمة هذا الوطن، ذو نظرة ثاقبة يسترشد بها تدبير الشأن العام وقد أينعت ثمارها في الديبلوماسية والتنمية والطاقات المتجدة وكل المجالات الحيوية، وكانت أرضية أيضا للتألق في المجال الرياضي بلغ أوجه في مونديال قطر وفي تدبير ملف الترشح لاحتضان مونديال 2030.

للفرح أسباب ومظاهر عديدة، لكن علاماته واحدة ومؤكدة عندما يوحد الأمة ويضعها على سكة النجاح.

الفرح دائما مرتبط بالعمل الجاد مهما كان بسيطا، لكنه قادر على إدخال السعادة إلى القلوب.

فرحة من القلب أفضل من ابتسامة خادعة!