مغربي أولا ثم يهودي دافع عن فلسطين .. أرشيف المغرب يحتفي بـ "الحاج" إدمون عمران المليح

سكينة بنزين الخميس 30 نوفمبر 2023
No Image

أحداث أنفو

" حنا ولاد أمة وحدة، مغاربة أولا و قبل كل شيء ، وليس هناك فرق بيننا، بل امتيازنا هو أن لكل واحد منا دين أحدنا مسلم والآخر يهودي "، هكذا عبر الكاتب الراحل إدمون عمران المليح، ذات حوار عن انزعاجه من الحديث عن ما يعتبره البعض فرقا بين مواطنين من دينين مختلفين، مفضلا تقديم نفسه كمغربي أولا ثم يهودي ثانيا، في إصرار دائم للحفاظ على هذا الترتيب الذي يحمل الكثير من الدلالة لرجل مسكون بـ"تمغربيت".

وفي لحظة وفاء لهذه القامة الأدبية المغربية، اختارت مؤسسة أرشيف المغرب خلال احتفائها باليوم الوطني للأرشيف، اليوم الخميس 30 نوبنر، إقامة معرض وثائقي تحت عنوان "إدمون عمران المليح.. مغرد تامغربييت "، وذلك " اعتبارا للمكانة المتميزة لهذا النابغة الذي ولد وترعرع في الوسط اليهودي المغربي، وكذا انسجاما مع روح الدستور المغربي الذي يحتفي بتعدد روافد الحضارة المغربية، بما في ذلك الرافد العبري ".وفق ما جاء في بلاغ للمؤسسة.

ابن آسفي المناضل من أجل استقلال المغرب


المالح أو كما كان يسميه المغاربة "الحاج إدمون"، رأى النور بمدينة آسفي سنة 1917، وهو المنحدر من أسرة أمازيغية يهودية من جنوب المغرب، اشتغل صحافيا ومدرسا للفلسفة بالدار البيضاء، كما ناضل من أجل استقلال المغرب ضمن صفوف الحزب الشيوعي المغربي لحدود سنة 1959، قبل أن يقرر التخلي نهائيا عن كل نشاط سياسي، وقد صرح في إحدى لقاءاته الصحفية ، أنه كان يقوم بواجبه كمواطن مغربي اختار النضال من أجل تحرير بلده، قبل أن يستدرك بأنه كان من القلة اليهود الذين انخرطوا في هذه المسيرة.

بعد بلوغه 48 عاما، سيختار الانتقال نحو فرنسا بعد تبنيه مواقف معارضة تجاه الملك الراحل الحسن الثاني، حاملا معه المغرب الذي كان حاضرا في كل كتاباته بالفرنسية التي رفض أن تكون خاضعة لأي توجيه أو تدخل خارجي، كما رفض في الوقت ذاته لعب دور الضحية بسبب مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة للصهيونية، معتبرا أنه في النهاية يكتب ما يؤمن به وما عاشه كمغربي يهودي متشبع بثقافة المملكة المتفردة التي لم يكن يرى لها شبيها في العالم.

منتقد الفرنكوفونية


استقرار المالح في فرنسا لمدة 35 عاما، لم "تفلح" في طمس معالم هويته المغربية، ولا نجحت في جرفه نحو خانة "المنبهرين" بالخط الفرنكوفوني، بل إن المفارقة الكبرى أن انفتاحه الكبير على الثقافة الفرنسية من خلال الكتابة الصحفية والأدبية العميقة والمتمكنة، جعله منتقدا للفرنكوفونية من الداخل، مع تأكيده المستمر بأنه يكتب الأدب المغربي باللغة الفرنسية وهو ما يترجم استعماله للعديد من كلمات الدارجة خلال كتاباته الفرنسية، مبديا قلقه في إحدى حواراته الصحفية من الحاجز الموجود بين الأدب المغربي المكتوب بالعربية، والأدب المغربي المكتوب بالفرنسية، مؤكدا أن الأدب المغربي يبقى واحدا لكنه موزع على للغات متعددة كشجرة لها فروع ، منبها أن الأمر نفسه يسري على ما كتب بالأمازيغية والاسبانية والألمانية وأي لغة أخرى كان القلم فيها مغربيا.

ومع أن دخوله للكتابة كان من باب الثقافة وفي سن متأخرة، إلا أنه صرح بأن باب الثقافة يدفعك نحو أشياء أخرى، وقد كان من بين هذه الأشياء تعرضه للفرنكوفونية كمشروع سياسي، بصفته كاتبا من داخل عمق الثقافة الفرنسية، كما انتقد الكتاب المغاربة الممجدين للفرنكوفونية وكأنها صاحبة الفضل لظهورهم وانتشارهم، كما عرف بآرائه المنتقدة للحركة الصهيونية ومعارضته الشديدة لهجرة المغاربة اليهود نحو إسرائيل، معتبرا أن هذه الخطوة شكلت كارثة حقيقية لتاريخ اليهود المغاربة، لأن الثقافة اليهودية كانت حاضرة بخصوصيتها كأي عنصر ثقافي مغربي آخر، ما شكل بالنسبة له اختلالا في المشهد المغربي كرجل متشبع بروح تامغرابيت التي تسكن كل جوارحه، وهو ما حال دون حصوله على الانتشار المستحق حسب عدد من المهتمين بالشأن الثقافي الفرنسي.

مغرب لا مثيل له


وقد حرص على تسجيله مواقفه في أكثر من مناسبة، دعما للشعب الفلسطيني من خلال انتقاده لتقتيل الفلسطينيين، كما كان عليه الحال سنة 2004، عندما أصدر بيانا أدان فيه إسرائيل عقب مجزرة مخيم جنين، والعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع عزة ومحاصرته، واصفا الحركة الصهيونية بالعنصرية.

ولأنه مغربي بالدرجة الأولى، اختار إدمون عمران المالح، العودة لجذوره بعد أن قضى في فرنسا 35 عاما، ليستقر سنة 2000 بالصويرة، مبتهجا بلقب "الحاج" الذي أطلقه عليه جيرانه ومعارفه وأصدقاؤه، وقد علق على الأمر بأنه ترجمة حرفية للخصوصية المغربية التي لا يمكن لرجل متقدم في العمر أن يحظى بها داخل دولة كفرنسا، « المغرب الحمد لله معروف باحترام الناس الكبار، على عكس فرنسا الناس حين تكبر تصبح على الهامش بدون احترام، أما هنا في المغرب يمكنك أن تعيش باحترام ويسمونك حاج وإن لم تكن كذلك .. هذا نوع من الاعتراف والمحبة والمكانة والامتيازات ... المهم عندنا في المغرب هو العلاقات الإنسانية التي يمكن ملاحظتها من طريقة السلام التي تجمع أي شخصين على اختلاف مكانتهم الاجتماعية والتعليمية .. هذا هو المغرب ليس له مثال في أي مكان آخر » يقول المالح في إحدى لقاءات مشارف ياسين عدنان.