يتبادلون عبر خاصية الفيديوهات القصيرة السباب والشتم، أو لنقل "المعيور" في "تيك توك"، وغيره من منصات انعدام التواصل الاجتماعي. يتحدثون إلى كاميرات هواتفهم، من المقاهي، من أماكن قضاءالحاجة (الخلاء أو المرحاض أو بيت الراحة، أعز الله قدر الجميع، ومعذرة)، من سياراتهم، من غرف نومهم قبل وأثناء وبعد النوم، من الطرقات، من كل مكان.
جنس بشري جديد، تطور جيني لم نتوقعه خرج إلينا من العدم، لايكلم الناس بشكل عادي، ولايمشي في الأسواق...إلا لكي يلتقط فيها السيلفيهات، ولايأكل الطعام إلا إذا كان لا ينوي أداء الفاتورة، فيمثل دور من يقوم بإشهار للمحل، ويقول الجملة القاتلة الشهيرة، والغبية في الوقت ذاته "خوتي خصكم تجيو تاكلو هنا".
يريد من يشاهدون هذا الجنس الخامس أن يقولوا له" تجيك فالراس"، لكنهم يستحون، عكس الكائنات التي بزغت من فراغ.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
تواصل هي الحديث مع كاميرات الهاتف، عن الكرة تشرح لوليد الركراكي خطة الفوز باللقب القاري الذي ينتظره منذ عقود،
عن السياسة توضح لأخنوش كيفية توفير البنزين والوقود و "المازوط" وبقية المحروقات"بنص الثمن"، وفي أقل من يومين، ودون معلم طبعا،لأن هذا الجنس العجيب بكره التعليم،
عن السينما توضح لسكورسيزي ماخفي عنه في عوالم الفن السابع، وتقترح عليه سيناريوهات شتى لأعماله المقبلة، وتعده نظيرها بالأوسكار تلو الأوسكار،
عن الدين، تكفر هذا،وتخرج الآخر من الملة، وتحكم على الثاني بدخول جهنم، وتمنح من تهواهم إقامة ذهبية غير محددةالأجل و all inclusive في الجنة (أستغفر الله العظيم)، وحين تطلب منها استظهار الفاتحة، تخرج عينيها فيك حد انفجار المقلة اليسرى، وتصرخ في وجهك "إخرس ياملحد ياعلماني ياكافر"، وتهرب لاتلوي على شيء.
كائنات تتحدث عن كل شيء وعن اللاشيء أيضا. وحتى عندما ضربنا الزلزال جميعا، واعتقدنا أنها ستخجل بعض الشيء أو ستتوارى إلى الخلف قليلا، رأيناها وقد امتدت إليها "بونجات" الجهل التي شوهت مهنة الصحافة، وبهدلتها، ونزلت بها إلى "الري دشوسي" Rez de chaussée الأخير، لكي تطلب منها رأيها في الهزة ونوعها، وكيف أحست بها هي التي لاتحس عادة، والتي أصيبت بتبلد المشاعر منذ الزمن القديم.
ما الحل مع هؤلاء الذين يتحدثون مع هواتفهم الذكية بغباء، وهم يقولون "جمهوري العزيز"، أو "تحياتي الوايدات"، أو "كوكو البنات"، أو غيرها من عبارات الندب وأدوات البكاء لا النداء؟
في البدء، كان الحل الوحيد هو عرض "الفريق" كله جملة وتفصيلا على الأطباء النفسانيين لكي يعطونا الرأي الحاسم الجازم، ولكي يشرع القوم في تناول الدواء لعل وعسى.
الآن، هذا الحل أضحى متجاوزا، لأن الحالة تجاوزت مرحلة "الماناخوليا" العادية، ودخلت دور"البسيكوباثية"، شافى الله وعافى الجميع، وكائنات الجنس السابع عشر بعد اختراع الآيفون والسامسونج وبقية أدوات الحديث إلى النفس، لسب الآخرين، أصبحت تشكل خطرا على الجميع، نفسها والآخرين، لذلك يبدو العزل الجماعي هو أقرب الخطوات إلى الصواب معها.
مارستان كبير، يتوفر على كل شروط العيش الكريم،يبنى في مكان خال بعيد سحيق، يصله الناس فقط بالطائرات أو الصواريخ، ويقطع عنه - وهذا أهم شرط للشفاء - الاتصال بالأنترنيت تماما، ولايصله أبداالصبيب، وهناك نضع هاته الكائنات مع بعضها البعض، ونترك لها مايكفي من الوقت لكي تصفي كل الحسابات العالقة، مع نفسها، ومع الآخرين، ولكي تسب بعضها بعضا إلى أن تكتفي، وبعدها نشرع في الإفراج عنهم وعنهن الواحد بعد الآخر، والواحدة تلو الأخرى.
تعتقدون أننا نمزح؟
حسنا، ادخلوا الآن إلى أي موقع من مواقع انعدام التواصل الاجتماعي، وحاولوا أن تتفرجوا عليهم وعليهن، و "ردوا علينا الخبار"، بعدها.
نحن، هاهنا في مكاننا منتظرون.