ولو أن الذي وقع في فرنسا، من قتل بدم بارد، وبطلقة نارية مباشرة في رأس مراهق صغير، وقع في أي بلد من البلدان التي يسميهاإعلام فرنسا "الجنوب"، لرأينا العجب العجاب في القنوات التلفزيونية إياها.كان محللو الرصيف، القابعون في الفيسبوك وغيره، ينتظرون مكالمة "فرانس24" للحديث عبرها، لكييقدموا لنا شهادات حسن السيرة والسلوك عنهم، ولكي يصفوا الدول الجنوبية المسكينة بأقذع الأوصاف، سينتفضون، وسيصرخون، وربما ضربت أحدهم "السخفة" في المباشر مثلما تعود أن يفعل في الوقفات.وكان مناضلو الساعة الخامسة والعشرين، سيقدمون "اللايفات" و "الستريمات" تحت عنوان (فرنسا في أسبوع، والتي التي تدوم الليل كله وساعات من النهار، والتي يتحدثون فيها عن رعبهم مما حدث، وعن أملهم في أن تتحضر شرطة الجنوب،وأن يفهم "البوليس" في دولنا الجنوبية أنه لايحق له رفع الصوت على مواطن، فمابالك برفع اليد، ومابالك بإطلاق الرصاص الحي مباشرة على الرأس بدم بارد، وبسبب تهمة ولاأخطر هي تهمة "محاولة الفرار منمخالفة مرورية"، أو مايسمى " عدم الامتثال". لكن، ولحسن حظ الديمقراطية في دول الشمال والجنوب، وفي كل الدول، ولسوء حظ من يؤمنون حقا بها،الجريمة وقعت في فرنسا. وهذا البلد يمنح مناضلي الساعة الخامسة والعشرين، ومحللي الرصيف فرصة الحديث عبر إعلامه الرسمي لكي يشتموا المغرب، (ومعه بقية دول الجنوب) ولكي يسبوا مسؤوليه، ولكي ينتقصوا من أي إنجاز تحقق هنا، ولكي يهولوا من أي خطأ تم ارتكابه - وإن بحسن نية - في هذا المكان.لذلك ران على المتحدثة الأبديين صمت عميق. لنقل إنهم أصيبوا بالخرس، أو لنعطها قيمة أكبر، ولننطقها بلغتنا المغربية الأم، الدارجة العظيمة، ولنقل إنهم "ضرباتهم اللقوة"، والعياذ بالله، حتى خفنا على حبالهم الصوتية، وخشينا على حناجرهم، ونادى كل واحد منا أقرب طبيب للأنف والأذن والحنجرة يعرفه، لكييفحص القوم، ويعرف مابهم، ولماذا لم تظهر لنا سحناتهم عبر "فرانس24"، وهم يتحدثون عن "البوليس السياسي" أو "بوليس اليمين المتطرف" الذي يقتل بعنصرية أبناء المهاجرين في فرنسا، وإن كان هؤلاء الأبناء فرنسيين كاملي المواطنة، ولدوا هناك، وماتوا، أو قتلوا بيد الشرطة قبل الوقت هناك.لم نسمع شيئا ، لأن المحللين الرصيفيين إياهم يتقاضون مقابل الشتم الذي يلقونه في حق المغرب من السيدة فرنسا، إن عينا أو نقدا.وتلك السيدة هي صاحبة تلك القنوات التي يرطنون فيها، وهي التي تمولها، وهي التي قال رئيسها ماكرون لتلك القنوات بأن عليها أن تشتغل أكثر لصالح فرنسا وأن تبرر المال الذي يدفع لها لكي تواصل الاشتغال.لذلك صمت هذه المرة من ألفوا الدفاع الكاذب عن مبادئ يؤمنون بها مجزأة، لأنهم يعتبرون كل الدروس التي يتبرعون بها علينا محبسة علينا، وفضلوا المتابعة الهادئة لمايقع، وعدم الانفعال، واختاروا التروي العاقل والهدوء العالم، وهم يرون شرطة بلد يمنحهم فرصة التعالي الكاذب علينا دوما وهي تقتل بدم بارد مراهقاصغيرا برصاصة في الرأس فقط لأنه ارتكب مخالفة مرورية، رفض بعدها الامتثال...حقيقة، شكرا للصغير الراحل نائل، فقد لقننا برحيله المؤلم درسا بليغا قوامه: لاتصدقوا أبدا هؤلاء الكاذبين، مهما قالوا، وفي أي قناة فتحت لهم شاشاتها لقوله.وإذا مارأيتموهم يوما، اعلموا باستمرار أنهم مجددا يكذبون.