البقرة الضاحكة !

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 12 أبريل 2023
No Image

على إيقاع اللحن الإشهاري المسروق من طربنا الشعبي "آهاه والعظمة"، المرافق لإعلان الجبنة الشهيرة "لافاش كيري"، يهتز الإنسان لاطربا ولاراغبا في الرقص، بل مترنحا من ذبحة الحزن، وهو يصرخ "رجاء أوقفوا العربة، أنا أود النزول"، قبل أن يفقد صوابه نهائيا ويصرخ بالدارجة " واباغي ننزل، وااااالباب آجواد"، وهو يرى جموع المواطنين والمواطنات في العاصمة الرباط الأحد، وهم يتبعون الجاموسة الضالة المسكينة، قبل إلقاء القبض عليها، وتسليمها للسلطات الوصية.

ما الذي حدث لأهلنا في العاصمة وأفقدهم صوابهم وجعلهم يتبعون البقرة البرازيلية ذات السنام الغريب؟ شكون بيعهم العجل؟ ومن اقترح عليهم هذا الانتماء الغريب والفجائي لمتابعي سلالة "الضروبات" المتحدرة من "فافيلات" ريو دي جانيرو والنواحي؟

في الحقيقة لاجواب، ولا لوم على الرباطيين والرباطيات الذين رأوا بقرة تجري فجروا وراءها والسلام.

اللوم كل اللوم علينا نحن جميعا من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال، ومن أبعد نقطة في الشرق حتى أكثر مناطق الغرب نأيًا، لأننا تركنا كل انشغالاتنا جانبا، وأصبحنا مهووسين بموضوع الجاموس البرازيلي منذ علمنا أنه الاقتراح التالي والوحيد مستقبلا في لائحة البروتينات الذي سنجده متاحا أمامنا.

فجأة، نسينا نحن المغاربة أننا من كبار عشاق الذبيحة السرية وملتهميها، وهربت من ذاكرتنا تماما صورنا في الأسواق وجنبات الطريق السيار والطريق الوطنية، ونحن نخلط الطماطم بالبصل بالملح والكمون ونضع الكل فوق لحم باعه لنا شخص نراه لأول - وغالبا لآخر _ مرة في حياتنا.

تجاهلنا أكلات "خانز وبنين" التي عاش وكبر وترعرع بفضلها عدد كبير، بل العدد الأكبر من مواطنيناالأشاوس، وفقدنا الذاكرة بخصوص النقانق الشعبية التي لاتعرف هي نفسها بما هي محشوة، لكننا نأكلهاباستمتاع ونمضي، ولم نعد قادرين على تذكر كل عاداتنا السيئة في الأكل والاستهلاك، وأصبحنا جميعا"سنوب"snob ، ومتكلفين نود معرفة فارق الجودة والقيمة الغذائية بين أبقارنا الوطنية التي تعودتنا وتعودناها، وبين هاته المخلوقات المسكينة، ذات السنام البارز بداية الظهر، والتي قيل لنا إنها تسمى الجاموس، وأنها أتت مباشرة من بلاد الكرة والصامبا وكل الجماليات.

ما الذي حدث؟ ومتى تم هذا الانتقال (اللحمي) فينا؟ (أسوة بالانتقال الرقمي)؟ وهل سيتوقف هذا الاهتمام عند حدود البدايات ودهشة الداخل الأولى المعهودة؟ أم ترانا نطوره ونصل المرحلة المتوقعة والمعهودة في مثيل هاته الحالات، مرحلة ظهور الخبراء في علم الجاموس وكبار محللي الظاهرة الجاموسية، والمؤثرين المتخصصين عبر تيك توك في جمع المال اعتمادا على العلاقة مع الجواميس، بل وربما تستفحل الحالة أكثر ونصل مرحلة القطيعة الكبرى من خلال تنظيم ندوة أو يوم دراسي حول "الجاموس في المغرب...واقع وآفاق"، يتكلف بتدبير زمن النقاش فيها أو فيه (اليوم أو الندوة لا الجاموس) خبير من هؤلاء الذين ينبتون في غفلة منا جميعا؟

المهم، ولئلا يعتقد أحد أننا نسخر من موضوع هام مثل هذا، أو أننا نتعامل معه باستخفاف واستهزاء وتفاهة، نود طمأنتكم، وطمأنة الجواميس المحترمة هي الأخرى سواء كانت فارة من سجنها تجري قرب قطار أكدال، أم كانت طيبة طيعة تتقبل بإيمان وصدر رحب قدرها المحتوم داخل معتقلاتها قبل الذبح، ونقول: نعم، نحن فعلا نمزح لأن مايقع الآن لم يعد ينفع معه إلا المزاح، الضحك وليس الفاكهة، لئلا يغضب منا النباتيون وعشاق الفواكه والخضر وخبراؤها، ونجد أنفسنا في قلب نقاش آخر أغبى من نقاش الجواميس العجيب هذا..

ثم قال ماذا؟

قال "مووووو"، بصوت عال، وحرك حافريه نحو الوراء بقوة، واستعد للنطح الشديد.