سعاد بنور*: هناك آيات قرآنية تستشف منها المساواة كقيمة مما يحيل على إمكانيات كبيرة للاجتهاد

أحداث أنفو الخميس 09 مارس 2023
No Image

Ahdath.info

هي ليست المرة الأولى، التي تتم فيها إثارة النقاش حول المساواة في الإرث أو عن إصلاح منظومة الإرث في عددمن مقتضياتها وقواعدها الفقهية . ويمكن هنا أن نسوق على سبيل المثال كيف تجاوز المجتمع الإسلامي فيمراحل مختلفة عددا من المقتضيات في إطار فكر تنويري ومنفتح على الاجتهاد من قبيل على سبيل المثالتخصيص الباقي من التركة بعد توزيع الفروض لبيت مال المسلمين، وهو مقتضى تم التخلي عنه والقبول بالتخليعنه دون مشكل يذكر. كذلك، يمكن الحديث، في هذا السياق، عن الوصية الواجبة، والتي لم يأت فيها نصقرآني، ومع ذلك تم إقرارها لحماية حقوق الأطفال خاصة، الذين يولدون بعد وفاة آبائهم .

وقد تم إقرار الوصية الواجبة وتم اعتبارها أمرا مستحدثا في الفقه الإسلامي بمعنى أن الإسلام أو لنقل الفقهالتنويري حينما تتضرر فئة معينة يبحث في النصوص الشرعية ويكيفها ويدخل التعديلات اللازمة . كذلك، يمكنأن نتحدث عن وقف العمل بالحدود من قبيل قطع يد السارق، وهو الحد، الذي ألغى سيدنا عمر بن الخطاب إعمالهفي فترة مجاعة عمت المجتمع الإسلامي ومن حينها تقريبا تم التخلي عن هذا الحد خاصة بعد أن تكرستالمجتمعات الإسلامية كمجتمعات مدنية تحتكم في غالبية منظوماتها القانونية إلى القوانين المدنية الكونية . أيضا،يمكن أن نسوق تخلي المسلمين عن توثيق معاملاتهم ذات الصلة بالدين عند عدل حيث أن أغلب الناس لا يلجؤونضرورة إلى عدل لتوثيق الدين. وأصبحت المسألة، التي هي أمر إلهي حيث قال الله سبحانه وتعالى :"ياأيها الذينآمنوا إذا تداينتم إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل .."(سورة البقرة الآية 282). وبالرغم منتجاوز هذا النص الشرعي تيسيرا للمعاملات بين الناس، فإنه لا يعتبر من قبل الفقهاء خرقا لأمر إلهي أو إخلالابنص شرعي أو مضرا بعقيدة المسلمين. وبالتالي، فكل هذه الأمور تدفع بنا إلى التشبث بإمكانيات الاجتهادالكبيرة والانفتاح الفقهي .

وبما أنها ليست هذه المرة الأولى، التي يتم فيها نقاش مقتضيات منظومة الإرث، نقول إنه آن الأوان اليوم لمناقشةمقتضى التعصيب، على وجه التحديد، وكذلك القاعدة الفقهية المعتمدة في تقسيم الإرث "للذكر مثل حظ الأنثيين".

ففي ظل كل المستجدات والتحولات المجتمعية الكبيرة، التي يعرفها مجتمعنا المغربي، نرى أنه من الضروري إلغاءمقتضى التعصيب، الذي يمنح الحق لأول ذكر يقرب للأصول في تقاسم التركة مع الوريثات الإناث في حال غيابوريث ذكر .

نعتبر أن التعصيب لم يعد له من سند شرعي أو ضرورة في ظل تجاوز المجتمعات الإسلامية للنظام القبلي، الذيكان سائدا في المجتمعات التقليدية، وكذلك لغياب التكافل الأسري، كما كان معمولا به في بداية الإسلام ومرحلةبناء الدولة الإسلامية، وكذلك، في ظل غياب نص صريح يتصل بالتعصيب فإنه لابد من إلغائه .

كيف تستشف النسائيات المساواة كمبدأ وقيمة في النص القرآني والحال يقول الكثيرون أن القرآن يقر العدلوليس المساواة؟ نقول لهؤلاء إن الله سبحانه وتعالى قدم استنادا إلى مجموعة من الآيات القرانية إشارات قوية علىضرورة الاجتهاد وإعمال العقل لفائدة المساواة بين الرجل والمرأة .

فقبل مجيء الإسلام، كانت المرأة توأد وتورث، ولما جاء الإسلام وفي بداية تأسيس الدولة الإسلامية أصبحت للمرأةحقوق مادية منصوص عليها في القرأن الكريم، بعد أن تم تكريس حقها في الحياة وتحريم وأدها، وأصبحت لهاحقوق منصوص عليها في ما يهم الإرث ، وفي هذا رد اعتبار لكينونة المرأة ككائن بشري وإنصاف لمخلوقمستضعف، وفي هذا إرهاص على المساواة بين الرجل والمرأة، التي وبالرغم من أنها كانت لا تشارك في الحروب أوفي حماية العشيرة أو الذوذ عن الحمى كما كان يقال إلا أنها تتمتع بنصيب في الإرث.

و هنا لابد من قراءة سياق تنزيل الآية، التي تم اعتمادها قاعدة فقهيه في منظومة الإرث، ويتعلق الأمر ب"للذكرمثل حظ الأنثيين". هذه الآية، تهم واقعة أوس بن ثابت عندما توفي وترك امرأة لديها ثلاث بنات أو اثنتين حسبالروايات وحيث استاثر أبناء العم بالتركة ولما اشتكت الأم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رد أبناء العمقائلين "بناتها لا يركبن فرسا" كما تقول الرواية، بمعنى أن البنات لا يخرجن للذوذ عن الحمى. فنزلت الآية ليسلتكريس هيمنة الذكور وإنما لحماية حق النساء الوريثات بحكم أنهن مستضعفات . هذا هو الأساس وهذا ما يجبأن يستشف من الآية وما يجب أن يقرأ منها . الآية فيها ضمان لحق هؤلاء البنات اللواتي حرمن من حقهن فيالإرث لأنهن مستضعفات .

الآية فيها روح مساواتية لفائدة النساء، اللواتي وحتى وإن كن يجلسن في البيوت ولا يخرجن في حروب أو للدفاععن القبيلة أو العشيرة أو للذوذ عن الحمى كما كان يقال إلا أنهن اصبحن يرثن وأصبح لهن الحق في الإرث.

نزلت الآية، إذن، في ظرفية هذه معطياتها وما زال الدين الإسلامي لم يكتمل بعد فمن غير المتصور أن يتم إقرارمساواة كاملة . هذه مسألة طبيعية هناك قضايا أو إشكالات تدرج الإسلام في تغييرها أو معالجتها .

المساواة، استشفيناها كحقوقيات وباحثات مختصات من قوله سبحانه تعالى في سورة النساء " ولأبويه كل واحدمنهما السدس مما ترك إن لم يكن له ولدا ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولدوورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرونأيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما".

فهذه الآيات، نجد فيها مساواه بين الأب والأم في النصيب من الإرث ارتكازا على التزامات الأبوين ولم يكن هناكتفضيل بينهما على أساس منطق الذكورة والأنوثة. هذا إرهاص كبير على المساواة بين المرأة والرجل تأسيسا علىالالتزام وليس انطلاقا من مبدا القوامة أو الذكورة.. وبالتالي، هذه إشارة على إمكانية المساواة في الإرث بعيدا عنفكر أو عقلية القوامة.

والله سبحانه وتعالى تحدث عن المرأة وحدد الحد الأدنى لنصيبها مما يمكن أن تحصل عليه في الارث علىحسب الوضعيات أو الحالات لأنها الطرف المستضعف فإذا الله سبحانه وتعالى كان يحمي الطرف المستضعفأوالضعيف ويحمي حقوقه وليس يحصن أو يكرس أو يقوي ويعزز ويعاضد الطرف القوي. وبالتالي، هو أعطىإشارة على أن توزيع الإرث بين الذكر والأنثى لا يقوم أبدا على مبدإ الذكورة والقوامة وإنما على مبدإ المساواة حينتتساوى الالتزامات وأعطى إرهاصا آخر، أعتبره جد مهم هو أن الغاية من منظومة الإرث هي حماية حقوقالطرف الضعيف .

النقاش حول إصلاح المدونة في مقتضياتها المؤطرة بالشريعة، لابد وأن يكون واقعيا من خلال طرح سؤالأساسي، هل يتعلق الأمر بنص عقائدي أم معاملاتي، فإذا كان الأمر يتعلق بنص عقائدي، فلا مجال لمناقشتهبتاتا. وإما إذا تعلق الأمر بنص معاملاتي، فلابد من أن نبحث في نصوص شرعية أخرى تساعد على الاجتهاد . كذلك هناك الآية، التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى "تلك حدود الله فلا تعتدوها" وهو نص قرآني فيه الكثير منالصرامة. وصرامة الله سبحانه وتعالى موجهة لحماية حقوق الإناث ومنع الحيف ضدهن. وعلما أنه الآن يتمتجاوز هذه الآية حيث ببعض المناطق في المغرب لا تحصل النساء على حقهن في الميراث ويمنعن من المطالبة بهلاعتبارات قبلية وعائلية، وبالتالي لا يستفدن ولا ينتفعن ولا يتمتعن بحقهن في الميراث. أوليس في هذا الأمر تجاوزالأمر الله بعدم الاعتداء على حدوده ؟!!

الله سبحانه وتعالى عادل لا يقبل الظلم بل حرم الظلم عن نفسه، وإذا كان منح النساء نصيبا من الإرث بالرغم منأنهن لا يؤدين واجبا دفاعيا عن القبيلة، فإنه، من المؤكد لن يظلم المرأة الآن، بعد أن أصبحت تعمل وتعيل وتساهمفي بناء الأسرة وبالنظر للالتزاماتها الجديدة، فإن المرآة تستحق أن تتمتع بكامل حقوقها.

لقد قدم الله إشارات قوية لقراءة النص القرآني بروح العصر حتى يظل الإسلام كما عهدناه صالحا لكل زمانومكان .

*أستاذة جامعية وعضو الكتابة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات (من مداخلتها في ندوة بالرباط حول موضوع " مراجعة شاملة لمدونة الأسرة حماية للمجتمع" بتاريخ 23فبراير 2023 نظمتها منظمة النساء الاتحاديات بشراكةمع قطاع المحامين الاتحاديين )