بين جيلين !

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 09 مارس 2023
No Image

لم يكن سي محمد بلفتوح الذي ودعناه منذ أيام، صحافيا عاديا، أو من "سقط المتاع" المهني الذي لاتنتبه إليه.

كان رجل توقف عند التفاصيل تستوقفك تفاصيله فعلا. وأعترف أننا في الجيل الوسط في مهنة الصحافةمثلما ترتكب في البلاد اليوم، أي جيل ال X الرابط بين حرفين وبين جيلين، نتمزق بين حظ سعيد للغاية أهدانا في وقت سابق متعة مرافقة هؤلاء الكبار والقراءة لهم، وبين حظ تعيس للغاية، فرض علينا عيش زمن"البونج" الإعلامي، بكل ماعليه، وبكل ماعليه أيضا، لأن ماله شبه منعدم تماما.

كنت أرى سي محمد بلفتوح في منصة الصحافة في مركب محمد الخامس في الدار البيضاء. كنت أذهب أنا وشلة من الزملاء المحظوظين مع كبير آخر هو سي محمد بوعبيد رحمه الله إلى هناك.

ويجب قولها بكل الصراحة الممكنة: منصة الصحافة في الملعب أيامها كانت شيئا آخر فعلا.

كانت لها قيمة، وكان الجالس فيها يعي معنى مجالسة الكبار، ومغزى التعلم على أيديهم كل لحظة وكل دقيقة إلى أن تأتي صافرة النهاية، نهاية كل شيء، وليس نهاية مباراة الكرة فقط.

لم نكن نعلم حينها أننا نعيش الأنفاس الأخيرة من هذا اللقاء المهني الحارق، وأن الأشواط الإضافية في حرفتنا ستحمل لنا كل هذا التعب وكل هذا الهوان، وكل هذا الوهن.

فيما بعد لم نعد نلج هاته المنصة. اخترنا كل من موقع تفضيله الكروي الجلوس في مناطق هذا الفريق أوذاك، عوض مزاحمة جيل جديد يجب أن نحترم اختياراته مهما اختلفنا معه فيها، ويجب أن ننتظر رؤية ثمار كل هذا الذي يفعله الآن.

أصبح الأمر قاسيا علينا وفوق التحمل. نبحث عن الكبار الذين كنا نعتبرهم العلامات الدالة على مرافئ الأمان المهني، فلانجدهم. نترحم عليهم بكل التسليم الممكن، ونقول "تلك عادة الله في خلقه ولن تجد لها تبديلا".

نبحث في دواخل الجدد عن التغيير نحو الأفضل. نجد قلة قادرة عليه، للأمانة، وتحمل همه، وتريد تطويرالحرفة وفق التصورات الجديدة. نحترمها ونرافقها، ونعتبرها التطور الضروري والعادي واللامفر منه.

بالمقابل نجد قربها كثرة غالبة فهمت أن المهنة لاتتوفر على بواب فاقتحمت "دون إحم ولا دستور". (زطمات فالحوض وصافي)، وقالت "هيت لك".

في أحايين كثيرة، تكاد هاته الكثرة تغلبنا وتفرض علينا الاقتناع بأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان،وكفى، لكن صورة متميزة لشابة أو شاب صاعدين، أو مقالا رائعا لوافدة أو وافد جديدين، أو التماعة مهنية في روبوتاج مصور تعيد الأمل إلى الأمل، وتذكرنا أننا كنا صغارا مبتدئين حين كان كبار مثل بوعبيد أوبلفتوح وغيرهما كثير (رحم الله من رحل وأطال عمر البقية)، يسمحون لنا بأن نجالسهم وأن نجادلهم بجهلنا الكبير حينها، وبكل متسع الحكمة والخبرة الذي كانوا يتوفرون عليه في تلك الأثناء.

نقتنع أن الحق في الخطأ حق من حقوق الإنسان. نفهم أن الزمن يتغير وأنه من غير المفيد البقاء محنطين فيها كالمومياءات.

نفضل أن نرى الجانب الممتلئ من الكأس عوض الفارغ: نحن على الأقل عاشرنا الجيلين معا، ولنا أن نستفيد من تجربة المقارنة بين ماكان وماهو قائم حاليا، والأهم مع ماهو آت.

رحم الله موتانا، وأطال عمر قدرة المهنة على المقاومة لأجل البقاء...