نسجل باعتزاز و افتخار خلال العشرين سنة و نيف عدة إنجازات و قرارات اتخذها و قادها جلالة الملك محمد السادس جعلت من المغرب قوةً صاعدةً تشق طريقها نحو الأفضل بهدوء وعمل استراتيجي يضعه في صلب الاهتمامات الدولية، و لنا أن نتذكر زيارات جلالته المكوكية لمجموعة من الدول الافريقية، وما رافقها من تجاوب رئاسي و شعبي و حكومي في تلك الدول، و من حجم الاستثمار الذي دشنه المغرب فيها بمنطق رابح -رابح ، كل ذلك أعاد المغرب لمكانته الطبيعية انتماءً للقارة الافريقية، و استحضارًا للعلاقات التاريخية التي جمعت بينه بلداً افريقياً و بين باقي الدول الافريقية عبر التاريخ ، و هي مبادرات لعمري جعلت دولًا عدة تستعيد الثقة في قدراتها و أدت بكثير منها للجهر بالأطروحة الملكية * افريقيا للأفارقة * في كل المستويات قادرة على رفع تحديات التنمية والتحديث، و لنا أن نستحضر باعتزاز مضمون الخطاب الملكي بالخليج سنة 2016 ، و التتبع الشخصي لمجموعة من المشاريع الكبرى من بنيات تحتية ، و طرق سيارة، و القطار فائق السرعة ، و كذا نجاح المملكة في تدبير جائحة كوفيد 19 ، و التدبير الحكيم لملف الوحدة الترابية في علاقات المغرب بمجموعة من الدول ، و كيف غيرت مواقفها من إما معاكسةً للمغرب في قضيته ، أو متخذةً موقف الحياد ، إلى المعترفة جهراً بجدية المغرب في تناول قضية وحدته الترابية في إطار الجهوية المتقدمة و اللامركزية و اللاتمركز ، و كيف أصبحت العلاقات المغربية تتقوى و تتوسع يومًا بعد يوم مع مجموعة من الدول ...
و نعتقد أن المبادرات الملكية السامية جددت فتح الباب أمام الفاعل السياسي و الأكاديمي والمدني للمساهمة الجدية و الفعلية في تقوية سبل تطوير هاته العلاقات مع هاته الدول، وإقامة جسور للتعاون و تبادل الخبرات والتجارب ، والتعريف بمقومات و ثقافة كل بلد، الشيء الذي يساهم في تذويب الخلافات ، و كسر الطابوهات ، ودحض الإدعاءات الفاسدة القائمة على الزيف والحقد والكراهية تجاه هذا البلد أو آخر ، و الصادرة عن قلة قليلة تدحض أطروحاتها بفعل الدبلوماسية الوطنية المتعددة و منطق الحقائق و التاريخ و الجغرافيا .
و لنا أن نعتز بأن المغرب احتضن من خلال مبادرات الأساتذة الباحثين إما بصفة فردية أو مؤسساتية دراسات افريقية ومعهد خاص بها هو معهد الدراسات الافريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط ، علما أنه قليلة هي الدول التي تحتضن هذا النوع من المعاهد الخاصة بهاته الدراسات كمصر والسودان وجنوب افريقيا ودول غربية ...كما نسجل باعتزاز إنشاء معهد خاص بالدراسات الاسبانية - البرتغالية منذ سنوات ويزيد اعتزازنا بمبادرات أساتذة المعهدين ومساهماتهم في بنائهما وإشعاعهما في زمن لم تكن فيه الموارد المالية والبشرية متوفرة كما هي اليوم .
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
و قد أخذ ذلك القرار وقتًا طويلًا جمدت خلاله المعاهد ، و توقفت المشاريع، و أصاب مجموعة من الأساتذة والموظفين بعض التيه ، و كثر القيل والقال عن أسباب تلك المبادرة ومصادرها والهدف منها ؟؟؟؟
و جمعت المعاهد الثلاثة في واحد تحت اسم جديد، وظلت الميزانيات والمناصب المالية توجه للمعاهد الثلاث كل سنة، و تم تعيين نائب رئيس الجامعة مكلفًا بالتدبير - بالنيابة لأكثر من أربع سنوات - الشيء الذي تسبب في شبه جمود تام اختلطت فيه الأمور ، و لم يصدر إلى حدود الآن مرسوم التجميع ، و عليه فنحن أمام معهد " مع وقف التنفيذ " بجامعة محمد الخامس .
و مهما كانت الأسباب وراء هذا القرار الذي لم يكن موفقاً توقيتاً و شكلاً، والذي غالباً ما اتخذ بمنطق محاسباتي و تقني فإنه لا يرقى إلى اللحظات القوية التي تعيشها المملكة المغربية في علاقاتها الدولية دفاعاً عن الوحدة الترابية الوطنية و تثبيتًا لها تاريخًا و حضارةً و ثقافةً و قدرات اقتصادية و طبيعية تجعل منها قوةً صاعدةً ؛ وهي اللحظات التي نحتاج فيها لانخراط كل القوى الحية من احزاب و تنظيمات مدنية و اكاديمية كما نحتاج لمبادرات الأساتذة الباحثين المختصين في تاريخ و حاضر و مستقبل علاقات المغرب مع الدول الافريقية و الدول المتحدثة بالاسبانية و البرتغالية ، و نعتقد أن المعهدين " المفقودين " هما الكفيلان بالقيام بهاته الأدوار مؤسساتياً ؛ لكن مع كل أسف اتخذ القرار بهدوء دون أن تتدخل أي جهةٍ لإيقافه أو توضيح صوابه ، فأصاب التيه مرة أخرى المعنيين و المهتمين و الغيورين...
و لنا أن نطرح مجموعة من الأسئلة في هذا المقام :
· لماذا اتخذت الحكومة السابقة هذا القرار و في الوقت بدل الضائع من عمرها ، و بأي هدف و لأي مصلحة؟
· أمن الحكامة اتخاذ قرار تسبب في تعطيل دينامية أكاديمية تجاه افريقيا و اسبانيا و البرتغال و دول أميركا اللاتينية مؤسساتياً ؟
· كيف وزعت الميزانيات خلال هاته السنوات من 2018 الى 2022 و كيف صرفت ؟ هل على المعاهد الثلاث أم للمعهد صاحب الاسم الجديد !؟
· ما هي المعايير التي اعتمدت في توزيع المناصب المالية لهاته المعاهد و لأي مؤسسة وجهت ؟
· ألم يساهم هذا القرار في هدر الطاقات البشرية و الموارد المالية و زمن البحث و العلاقات الدبلوماسية الموازية ؟
· كيف سمحت الحكومة السابقة باتخاذ قرار لا يساير القرارات و الاختيارات الاستراتيجة لجلالة الملك في موضوع العلاقات الدولية؟
· لماذا لم يسارع السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار إلى التراجع عن هذا القرار و طلب سحب مشروع المرسوم الذي بموجبه تم تجميع المعاهد الثلاثة في واحد ؟ و قد طرحنا عليه الملف بمناسبة تنظيم المرصد الوطني لمنظومة التربية و التكوين لندوة وطنية بالمكتبة الوطنية حول موضوع العلاقات المغربية الافريقية ؟ .
· ألا يعد عدم سحب مشروع المرسوم موافقة للحكومة الحالية على القرار ؟
فبعد كل هذا ، و بعد الإشارات و التنبيهات ، و استحضارا لمبادرات و قرارات جلالة الملك محمد السادس تجاه افريقيا من خلال اتصالاته ، و جولاته عبر قطعه مئات الآلاف من الكيلوميترات و هو يدشن و يزور دولًا افريقية شقيقة و صديقة ، و ما نتج عن ذلك من قرارات مؤسساتية حكومية و خاصة في كل المجالات، و بعد التطور الحاصل في علاقات المغرب بمجموعة من الدول ، و بعد الانتصارات الدبلوماسية و ما حققه الفريق الوطني لكرة القدم في قطر و ما نتج عنه من إشعاع دولي غير مسبوق للمغرب و المغاربة و أخيراً و ليس آخراً انعقاد اللجنة العليا للمغرب و اسبانيا بالرباط و ما صاحبه من قرارات تاريخية همت كل المجالات ( 19 اتفاقية ) و غيرها من الانجازات التي نعتز بها ...
ألا يستحق كل ذلك مواكبة للدراسات الافريقية و الاسبانية لهاته المشاريع من خلال معهد الدراسات الافريقية و معهد الدراسات الاسبانية و البرتغالية كبنية وطنية لكل منهما ، متكاملةً معرفياً و لغةً و إداريًا تتقاطعان مع كل السياسات العمومية تجاه افريقيا و الدول المتحدثة باللغة الاسبانية ، و تعملان على تجميع تاريخ هاته العلاقات المشتت هنا و هناك ، و يتم تعزيز هاذين المعهدين بنخبة من أساتذة التاريخ و اللغات و الثقافة و علم الاجتماع ...و بذلك تزيد مكانة أساتذتنا الباحثين المختصين ، و يزيد عطاؤهم و إنتاجاتهم ، و تتقوى أواصر هاته العلاقات ، و تتجذر في إطار متكامل يجمع بين أخلاق المواطنة و التعايش و قبول الآخر .
لكل ذلك نجدد توجيه ندائنا إلى المسؤولين ونخص بالذكر السيد رئيس الحكومة و السيد وزير التعليم العالي و البحث العلمي و الابتكار و السيد الأمين العام للحكومة بالعدول عن قرار دمج المعاهد الثلاثة في واحد، كما نرجو أن يعمل المسؤولون بالتعليم العالي مركزيا و جهوياً و محلياً بمنطق التدبير الجدي والمتجدد للموارد المالية مع تبسيط مساطرها حتى تتمكن المؤسسات والمختبرات من توفير الظروف الملائمة للممارسات الفضلى للدبلوماسية المعرفية وتطوير منظومة البحث العلمي و الابتكار استحضاراً لتاريخ المغرب و حاضره من أجل مستقبله في قلب القارة الافريقية و الاوربية والامريكية والاسيوية و الاسترالية، وبذلك نكون نستجيب لدعوة جلالته كل مكونات المجتمع المغربي للانخراط الجدي في قضايا الوطن وتحمل المسؤولية.