مغربنا: للعلا عنوان!

بهية بنخار الثلاثاء 20 ديسمبر 2022
No Image

AHDATH.INFO

عمري تسع و ثلاثون سنة، عشت فيها الكثير من التجارب وخضت فيها الكثير من المعارك و سافرت فيها إلى بلاد عديدة و شاركت وحضرت ونظمت أو كنت ضمن طاقم تنظيم محافل كثيرة وطنيا و دوليا.

بعد اشتغالي في ميدان الإعلام لسنوات توجهت إلى ميدان يأسرني بل يغويني، ميدان لا أشتغل فيه بل أعيشه بشغف ويجمع بين عشقين أبديين : الوطن و التواصل،لذلك فاختياري لخلق مؤسسة للترويج الوطني و لإبراز قوانا الناعمة لم يكن وليد الصدفة،بل كان توليفة تناسبني لا أرى نفسي في غيرها!توليفة تجمع بين ماهو شخصي ومهني واجتماعي و إنساني، توليفة تشبه ثقافة الايكيگاي اليابانية..حين نستعين بخبرتنا و تجربتنا و شغفنا في مجال اشتغالنا وليصبح هذا الاشتغال أو المهنة رسالتنا في الحياة، وهي رسالتي الآن : خدمة وطني وصورته على كل الواجهات وبكل الوسائل.

لقد ترجمت هذا الحب وهذا الشغف في بناء يومي بل جعلته قانون حياة، خارطة طريق مهنيا و اجتماعيا...فلا تجربة مهنية أخوضها إلا والوطن في صلبها، بل أجمل تجاربي الشخصية والاجتماعية و أقواها كان الوطن محركا لها..

لماذا أقول هذا الآن؟ لأنني عشت تجربة استثنائية إكسيرها الوطن، إكسيرها القوة الناعمة، إكسيرها ثراتنا اللامادي، إكسيرها الانسان، إكسيرها المهارات و إكسيرها التمغربيت.. إكسيرها الشغف و العزيمة...إكسيرها البركة ودعاء الصغير قبل الكبير..إكسيرها وحدة الصوت ووحدة التوجه ووحدة الإرادة..إكسيرها رجالات و نساء يحركهم الشغف، حب الوطن النية والعمل!

أتحدث هنا بكل تأكيد عن تجربة عشتها بكل جوانبها، بكل حمولتها كما عاشها الملايين ألا و هي كأس العالم بقطر والإنجاز الأسطوري للأسود...لا أعرف كيف أرتب أحاسيسي كي أرتب افكاري لأكتب، لكنني سأترك الفرصة لقلمي كي ينصاع كما يريد، كي يتبع "النية" كي يترك جانبا الايمان بقواعد السرد والنحو واللغة و ينصاع بنية خالصة كعجوز لاتعرف ايمانا غير إيمانها الفطري الذي تحس.

سأتحدث اليوم بلغة إيمان العجائز، بلغة بركة المغاربة، بلغة نية الرگراگي، بعفوية سير سير التي نهجها الأسود و التي لم تترك شيئا يروضها إلا عاطفتها وحبها لوطنها وحبها لأمهاتها، الا عزيمتها على أن تحقق المستحيل، تمردت الأسود ضد قيود الاحكام المسبقة، ضد نظرية الفشل، ضد الخوف، فمروضها لم يروضها على شيء سوى على أن لا تُروض مرة أخرى و أن تعول على قوة الإنسان وعلى النية و على ثقتها بأنها قادرة كل مرة على الزئير أكثر، ان تصبح اكثر قوة عند دعوات و عناق الأمهات عند تحقيقها فرحة أمة بكاملها..

الاسود أعادت تربيتنا من خلال درس واحد : لا وجود للمستحيل مع وجود النية و الإرادة و الإصرار و العمل، لا شيء يعلو على روح الإنسان المقدامة المحبة و الصافية، لا شيء يقف أمام الحب : حب الوطن حب النجاح حب الذات و قبل كل هذا حب الأمهات و الرغبة في إسعادهن...الافتخار بهن امام العالم بجالابيبهن و فرحتهن العفوية بعيدا عن صور زوجات نجوم الانستغرام..كسرت الأسود القيد، تمردت لتروضنا بأجمل الطرق، لتصبح في مدة وجيزة مانحة للسعادة، داعمة للطموح، كاسرة لنذير الشؤم الذي أصررنا على التشبث به، خالقة للطموح و للتطلع للأفضل..الأسود روضت الفراش، و خلقت تأثير الفراش، إنجازات لحظية لم تتعد المائة و عشرين دقيقة على أكثر تقدير، ستترك حتما آثارها على المدى البعيد و على أكثر من صعيد..ستدخل التاريخ، ستغير العديد من المسارات، ستبني العديد من العلاقات ، ستصحح الكثير من الأخطاء ، ستبني صرحا ديبلوماسيا لا يتصدع ، ستزيد من صيت المغرب، ستحسن أكثر صورته وصورة شعبه الملتحم الواقف وراء فريقه كالملاك الحارس : يدعو يرنم يضحك يبكي .. يساند يدعم و يواسي..

أثر الفراشة لا يرى كما سبق و قال درويش لكنه يُحس! إحساسنا كلنا بسير سير حتى سرنا إلى قطر تاركين كل شيء وراءنا لأن الأهم أمامنا : الوطن ! وشباب يمثله لا يحتاج إلا دعمنا و ترديدنا "لسير سير" و لا يحتاج منا شيئا إلا : النية!
درس ضرب بعرض الحائط كل هذه الماديات التي غرقنا فيها، درس أرجع الأمور لنصابها مغربنا مغرب الأولياء والخير و البركة و النية الصافية والحب والشغف و الكرم عاد من جديد.. مغرب تبنيه الأمهات يبنيه فخر الانتماء رغم الاغتراب تبنيه الثوابت : الله، الوطن، الملك مغرب يبنيه كل المغاربة فور اعطاءهم الفرصة..المغرب يبنيه شعب متسامح، منفتح، عفوي، مُحب، شعب يحب الفرح و الفرح يليق به..شعب انفعالي و عاطفي و شغوف...شعب في الآن نفسه "مْهْوّْر" و حكيم..شعب تركيبته خاصة، كيميائه تنسجم مع كل يقدره، شعب يحقق المستحيل فقط اذا "كبرتي بيه".

المغرب الآن دخل التاريخ الكروي من أوسع أبوابه، دخله بعد وصوله لنصف نهائي كأس العالم و أي كأس عالم؟ بقطر، و هذه فلعمري حكاية وحدها...فكما رفع المغرب رأس الأفارقة والعرب والمسلمين كرويا داخل رقعة الملعب و داخل المدرجات رفعت قطر رأسنا عاليا بتنظيم مبهر وأجواء خيالية، وبرامج ثقافية ورياضية وترفيهية راقية ومتناغمة مع ثقافتنا التي أراد البعض تحجيرها وتسويدها ليكتشفوا انها أكثر غنى و انفتاحا و تنوعا..
قطر استطاعت ولأول مرة أن تجمع الفخامة والشعبية بدون مركب نقص، الانفتاح و المحافظة على ثقافتنا، الكرة و التنظيم و النظام، الأمن والسلام و الترفيه و أجواء الاحتفال،تركيبة غريبة ساحرة سحرية لا تستطيع إلا قطر تقديمها للعالم..

هناك في قطر انبهر القطري و العربي و الأجنبي، هناك في قطر الكل شعر أنه في بيته، في بلده...فما بالك نحن المغاربة؟ بعد إنجازات أسودنا وزئيرها الذي رن في كل البيوت...كنا نتجول في شوارع الدوحة و أسواقها في منتجعاتها و جزرها، في مقاهيها و مطاعها و الكل يحتفي بنا، كأننا لعبنا المقابلات مع الأسود، أحسسنا بحب غامر، بكرم فائض، بفخر صادق، نساء ورجالا و أطفالا عربا وغيرهم الكل يغني معنا : مبروك علينا هذه البداية مازال مازال و لي مابوجا ماشي مغربي و سير سير..عشنا كالأبطال و كالنجوم الكل يريد صورة مع كل من يرتدي قميص المنتخب أو يحمل راية المغرب، الكل يهتف : رفعتم راسنا يا مغاربة! أي فخر هذا؟ و كيف لشيء غير تلك المستديرة المليئة بالهواء السحري أن تخلق هذا و أن تجعلنا نعيش هذا، و ترفع رأسنا هكذا في بلاد غير بلادنا لكنها تزينت بأعلامه، و غطت واجهتها بعبارات شكر و تشجيع الأسود..وصورهم..حيث أننا لم نحس أننا خارج المغرب فروح المغرب سافرت معنا لتستقر في الدوحة و في كل من زار الدوحة...و ستظل مرابطة له بدون ان يشعر..لأنها ببساطة روح النية، روح الامهات الكادحات، روح رضى الوالدين و روح اصحاب البركة، و روح التارجليت و التمغريبت، روح النخوة كيفا لا و نحن للعلا عنوان!

شكرا يا أسود كلنا فرحون بكم في ملحمة احتفل بها الملك و الشعب، افريقيا و العرب والعالم!

و في الختام اقول لقجع، الرگراركي و كل للوليدات..سير سير راك غادي مزيان و عمرك توقف..

و سير سير راه سيدنا راضي عليك و كل المغاربة راضيين عليك!

ومن اليوم لي ما بوجا ماشي مغربي!