السياسة

حكيم بلمداحي يكتب.. علماني ولعياذ بالله!

حكيم بلمداحي الاثنين 07 أكتوبر 2019
Capture d’écran 2019-10-07 à 09.06.42
Capture d’écran 2019-10-07 à 09.06.42

AHDATH.INFO

تحركت آلة الإسلامويين من جديد، وبدأ الاشتغال على عواطف الناس وعقولهم. والمنطلق التهجم على البرلماني عمر بلافريج، الذي عبر صراحة عن موقف شجاع لم يجرؤ أي سياسي، في البرلمان المغربي على الكلام فيه، هو موضوع الحريات الفردية. القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد قال في قبة البرلمان ما يقوله العديد من المغاربة، بأن هناك قوانين يعمل بها في المغرب، متخلفة وتجاوزها المجتمع، ووصل الوقت لتغييرها، منها ما يتعلق بجوانب الحريات الفردية. كلام بلافريج وجد أمامه التهمة الجاهزة عند الإسلامويين: إن الرجل علماني ولعياذ بالله.

هل هو التاريخ يعيد نفسه بنفس الرداءة؟ السؤال يحيل على واقعة مر عليها قرن من الزمن. ففي سنة 1913 بمصر تقدمت شخصية من الحركة الوطنية المصرية للانتخابات. كان الرجل، واسمه أحمد لطفي السيد، متنورا مستقيما ومؤمنا بالديموقراطية كنظام. أخلاقه وعلمه كانا يرجحان حظوظه في النجاح في الانتخابات. غير أن أحد منافسيه جمع الناس مرة في منطقة ترشحه، وخطب فيهم متسائلا: أيعقل أن تنتخبوا رجلا يؤمن بالديموقراطية ولعياذ بالله؟ انبرى الناس يسألون عن معنى الديموقراطية، فقيل لهم إنها الكفر والإلحاد. وفي أحد اجتماعات لطفي السيد مع الناخبين سأله أحدهم أصحيح أنك ديموقراطي؟ أجاب بزهو وافتخار، وهو لا يعلم الحكاية كلها، نعم أنا ديموقراطي، فتفرق الجمع من حوله وخسر الانتخابات.

هي نفس الحيلة تتكرر. الأمر هنا لا يتعلق فقط بعمر بلافريج، لكن بتفكير يضايق الإسلامويين بتلاوينهم المعتدلة والمتشددة والإرهابية، ويريدون مواجهته بدغدغة عواطف الناس وترويج المغالطات لهم.

التهجم على بلفريج فيه جانب يستدعي تدخل النيابة العامة، لأنه يكفر الرجل ويحرض على الحقد والكراهية والإرهاب. لكن جانبا آخر يقتضي توضيح بعض الأمور والخروج من عتمة ينتعش من خلالها أصحاب الإسلام السياسي، الذين يلعبون على حبل الديموقراطية لما يتعلق الأمر بأصوات الناخبين، وعلى حبل التفكير المناقض للديموقراطية والمناقض لدستور المغرب وتوجهاته الاستراتيجية الكبرى.

الوضوح هنا لابد منه وهو يقتضي الانسجام مع القيم الأساسية للدولة المغربية أو الخروج صراحة عن هذا التوجه.

المغرب اختار الديموقراطية والحداثة ونص على ذلك في دستوره، ونص على ذلك أيضا في توجهاته الاستراتيجية الكبرى. الديموقراطية والحداثة والتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، هو نهج المغرب. وبالتالي فعلى الجميع أن يرضخ لهذا التوجه لأنه اختيار سيحقق التنمية والكرامة لكل المغاربة. والديموقراطية تقتضي العلمانية بما هي فصل للدين عن السياسة، وبالتالي تحقق إمكانية محاسبة القائمين على الشأن العام دونما التحصن بالدين. والمغرب حل مسألة الدين لوجود إمارة المؤمنين التي يخول لها الدستور تنظيم الشأن الديني والإشراف عليه، وما على الراغب في ممارسة السياسة سوى تقديم برامجه في تدبير الشأن العام الدنيوي، وقابلية خضوعه للمحاسبة. هذه هي الديموقراطية وهذه هي العلمانية، وليس ما يروجه تجار الدين من أن العلمانية إلحاد والديموقراطية كفر.

الخروج من العتمة يقتضي أن تسهر الدولة على أن تكون الأمور بهذا الشكل وبهذا الفصل الواضح والصريح، وبأن تنبه أو تعاقب كل من خرج عن هذه القيم. أما الدين فسلوك فردي أو جماعي في ممارسته وحق من حقوق الإنسان تسهر الدولة على تحققه للمواطنين كحق، وتسهر إمارة المؤمنين على تنظيمه وتدبيره. أما الشأن العام السياسي فهو سلوك مدني دنيوي لا يجب تدنيس المقدس بإقحامه فيه.

لا مناص اليوم من ترسيخ هذا الفصل بين الشأنين السياسي والديني. فالشأن الديني في المغرب من اختصاص أمير المؤمنين. أما الشأن السياسي فحلبة للتصارع بين الأفكار والبرامج بشكل لا يقبل إقحام الدين فيه.

إن النموذج التنموي المنشود في المغرب هو نموذج الوضوح، ونموذج العمل والمحاسبة. أما اللعب على الحبال وتعدد الأقنعة فلن يؤدي بالبلاد سوى إلى التنافر والحقد والكراهية.

في السياسة قد لا نجد التناغم الهارموني، لكن لا بد من التوافق. والتوافق يقوم على الانطلاق من مجموعة من القواعد ومجموعة من القيم، هي جوهر الديموقراطية، وهي أشياء موجودة في الدستور.