AHDATH.INFO
كانه عاد إلى المغرب هاربا من برودة الأراضي المنبسطة، يبحث عن دفء يتسلل إلى دواخله التي تأكلت إطاراتها وأصابها انحباس عاطفي حاد.
عادت روحه في جسد الفنان الراقي المامون الذي خلد ذكراه التسعين ليلة الإثنين 8 أبريل 2019 بمسرح la f.o.l بمدينة الدار البيضاء في حفل موسيقي باذخ حضرته فئة عريضة من عشاق هذا الفنان الفيلسوف التواقة إلى العثور على عوالم سحرية تعيدهم الزمن الجميل، حيث الكلمة الشاعرية القوية التي تحمل بين طياتها معاني إنسانية.
"waw"، " c est tres beau" ،" merci mamoune"، " الله الله، الله يحفظك" كلها تعابير عن إعجاب الجمهور بما قدمه المامون خلال تلك الليلة الساحرة، وأهات تناغمت وتماهت مع الأداء الرفيع الذي سافر بالحاضرين إلى فضاءات ساحرة ،تلمس من خلالها عوالم بلورية، وراقصها هناك ، حيث لا وجود الجاذبية.
رغم برودة المكان وسواد ألوانه ،إلا أن هناك فوق الركح، كانت شمس تطل من عيون الفنان المامون، الذي لم يكن يؤدي فقط، بل كان ممثلا وراقصا يلعب أدوارا حياتية عاشها جاك بريل ،تارة يجلس في فضاءات الحزن والألم وتارة أخرى يبتعد عنها لكن الألم يظل ملتصقا بدواخله، وتارة أخرة يجلس بين الفضاءين لكي يسخر من الحياة ومن نفسه في غالب الأحيان.
كنا كأننا أمام مشاهد تراجيدية بنكهة كوميدية ساخرة يقوم بها ناسك متعبد يضع قبعة الفيلسوف الحكيم الذي يجلس في محرابه ليرى كل شيء ،يرى الفرحة والألم والضحك والبكاء والسخرية والشعور بلذة الألم.
كانت مشاهد جسدها الفنان الراقي المامون بكل عفوية، من دون مخرج ولا حتى سيناريو، فقط هناك جمهور وإنسان يؤدي دوره بإخلاص، يحرك فينا جميع الأحاسيس، ويوقظ ذاك الشعور بأننا بشر ،لنا ضعفنا الذي يحيي قوتنا الباطنية القادرة على دفعنا إلى الإنعتاق من ألامنا وضجرنا، لنبحث عن الأمل والعثور على حياة جديدة.
هكذا هو الفنان المامون الذي حرك فينا كل هذا، شعرنا أنه جاك بريل بروحه وجسده فوق الركح يراقصنا ويهمس في أذاننا ليؤكد لنا بأن لذة الحياة تكمن في الجمع بين الحزن والفرح، وجعل ألامنا تتناغم مع أحاسيسنا ،لتبقى صادقة معها.
" ne me quitte pas" ، " quand on a que l amour"، " jqcky"، " les bourgeois" ، " amsterdam" ، " grand jacque" ، كلها أغاني أداها الفنان المامون بأسلوب راقي ألهب حماس الحاضرين الذين صاحبوه الغناء في جو حماسي رائع.
الفنان المامون عاشق جاك بريل حتى النخاع ،استطاع بإحيائه ذكراه التسعين أن يعيد الدفء للفن الراقي ، في زمن الرداءة والبريكولاج، تمكن من تسليط الضوء على حياة الفنان الأسطورة الذي يعشق السفر إلى الأزمنة الوردية.
كانت السهرة راقية بامتياز ،افتتحها الفنان المامون رفقة ابنتيه، وتخللها حضور الإعلامي عمر سليم، وحضرها جمهور راقي.