إعمار وطن !

بقلم: المختار لغزيوي الاحد 17 سبتمبر 2023
No Image

"ماهموني غير الرجال يلاضاعو

الحيوط يلا رابو كلها يبني دارو"

نحفظها عن ظهر قلب وترنمنا بها مع الغيوان منذ القديم، ونقترح عليها إثر هذا الزلزال الأليم الذي هز كلواحد منا تعديلا بسيطا، قوامه أننا جميعا سنبني ماتحطم، ولن يبقى مغربي واحد ولا مغربية واحدة ممن نكبتهم هاته المأساة المؤلمة وحيدا لكي يبني وحده منزله، بل الجميع سيساهم إلى أن يتم إعمار ذلك الجزءالعزيز من الوطن الذي مس.

فهمناها منذ اللحظة الأولى، المغاربة لن يتركوا بعضهم في هاته المأساة، وملك المغاربة لن يترك مواطنيه فرادى معزولين في هاته، تماما مثلما لم يتركه جلالة أبدا في السراء وفي الضراء.

لذلك وبعد الحملات الشعبية التضامنية الرائعة التي عبرت عن المعدن النفيس الغالي للمغاربة، وبعد جلسة العمل الأولى التي ترأسها جلالته، وبعد النزول الفعلي إلى الميدان، والتبرع بالدم مشاركة ملكية في الانتساب لنفس الألم الذي هز الناس كلهم، جاء أول أمس الخميس أوان تفعيل المبادرات الرامية إلى التخفيف من أثر هاته الكارثة، ومد يد العون الحقيقية للمصابين، ومرافقة كل المنكوبين المرافقة الضرورية اللازمة إلى أن يرتفع هذا الحزن وهذا الألم جميعا.

برنامج استعجالي بكل ما في الكلمة من معنى، لامس كل جوانب المأساة، وقدم عنها "نسخة أولى" من الأجوبة التي تروم أن تكون فعالة في الوصول إلى الناس حقا والتخفيف من حدة الكارثة التي أصابتهم.

من الجانب المادي، النقدي، وهو مهم جدا وحيوي لأن حياة المنكوبين تغيرت بين عشية وضحاها دون أي استعداد مسبق لهاته الكارثة، خصوصا وأن ساكنة تلك المنطقة ساكنة بسيطة وذات دخل محدود جدا، إلى الجانب المهم أيضا الرامي إلى التكفل بالصغار الذين يتمهم هذا الزلزال العنيف، واعتبارهم منذ تلك الجمعة المؤلمة "مكفولين للأمة"، أي أبناء للوطن كله، يرعاهم ويطعمهم ويكسيهم ويضمن استمرار دراستهم إلى أن يرشدوا ، إلى الجانب العملي القائم على تعويض أصحاب الدور التي انهارت إن كليا أو جزئيا، ثم الشروع السريع في بناء ماتحطم وفق خصوصيات المنطقة، وهي منطقة متفردة لاتشبه غيرها في أي شيء، ويلزم الحفاظ على تلك الهوية المعمارية التي صنعت من الحوز المحج السياحي الكبير سواء من طرف المغاربة أوالأجانب، إلى الجانب الحياتي الأهم الآن: الإيواء المؤقت للضحايا في ظروف آدمية تضمن لهم احترام الكرامة بتوفير كل المرافق الأساسية لهم، وإسكانهم في محلات إيواء تراعي البرد القارس الذي ستعرفه المنطقة في الأسابيع المقبلة، خصوصا وأن إصلاح ماأفسدته هاته الكارثة الطبيعية سيتطلب وقتا معتبرا، ولن تكون الحكاية حكاية أيام قليلة مقدور على تسييرها بأي شكل من الأشكال.

باختصار هو برنامج يستعجل فعلا رفع الغمة عن المصابين والمنكوبين من أبناء هذا الوطن، ويضع نصب عينيه ، وفق توجيه ملكي صارم وواضح، ألا ينام المغرب مرتاحا ثانية من الوقت وجزء من أبنائه مشرد في العراء يريد فقط تصديق ماوقع له ولايستطيع، ممزقا بسبب فراق الأحبة، وضياع الرزق القليل، وانهيار المأوى المتواضع الذي كان يستره.

الذين ضاعوا منا وفارقناهم من أهلنا وأقاربنا، بكل ذلك الرقم المرعب الذي يعد أرقامهم رحمهم الله، تركوا في أعناقنا جميعا دينا علينا الوفاء به، وحملتنا أرواحهم التي رحلت فجأة وفي ألم تلك الجمعة، مسؤولية رعاية من بقوا بعدهم، ومسؤولية إعادة إعمار تلك الأرض، ومسؤولية إعادة البهجة إلى "حوز المغرب"، تلك المنطقة التي لم تكن إلا مبتسمة ببساطة مغربية على الدوام، والتي يجب علينا الآن، كل من موقعه، أن نمسح دموعها، وأن نهدئ من روعها، وأن نطيب خاطرها، وأن نضمها إلينا بكل حب الكون، ونحن نهمس في أذنها بصدق وإيمان: لن يتركك ملك المغرب وشعب المغرب وحيدة أبدا.

ستنهضين بنا جميعا.

هذا وعد من كل مغربية ومن كل مغربي، وطبعا كلنا نعرفها: المغاربة حين يعطون الوعد لايستطيعون إلاالوفاء.