نرجس الرغاي: الخوارزميات لا الصحافيون هي من تحدد ما نراه.. ومواجهة الأخبار الزائفة تبدأ بالتربية الرقمية

عضوة المجلس الاعلى للاتصال السمعي البصري تحذر من مخاطر الفيك نيوز والذكاء الاصطناعي على الثقة المجتمعية والاستحقاقات الانتخابية
أحداث. أنفو الجمعة 19 ديسمبر 2025
Capture d’écran 2025-12-19 à 19.11.47
Capture d’écran 2025-12-19 à 19.11.47

أكدت نرجس الرغاي، عضوة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، أن معركة مكافحة الأخبار الزائفة لا يمكن كسبها بالزجر وحده، بل تمر أساساً عبر التربية على الاستخدام الواعي للإعلام الرقمي، والتنمية النقدية لقدرات المواطنين في التعامل مع المحتوى المتداول عبر المنصات الرقمية.

وأوضحت الرغاي، خلال لقاء حول “مكافحة الأخبار الزائفة: تقاطعات ومقاربات” نظم بالرباط، أن ما يراه المستخدمون على شبكات التواصل الاجتماعي لم يعد يخضع لاختيارات تحريرية صحافية، بل تحكمه خوارزميات مبرمجة لجذب الانتباه وإطالة زمن التفاعل، في إطار ما يعرف بفقاعات المحتوى والاستهداف الدقيق، وهو ما يخلق بيئة خصبة لتضخيم المعلومة الزائفة.

واستعرضت المتحدثة، بصفتها أيضاً رئيسة مجموعة العمل “التقنين والإعلام الرقمي” داخل المجلس، أرقاماً دالة على خطورة الظاهرة، مشيرة إلى أن دراسات صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تؤكد أن الأخبار الكاذبة تنتشر على منصة “إكس” (تويتر سابقاً) بسرعة تفوق الأخبار الصحيحة بست مرات، كما أن احتمال إعادة نشرها يفوق بنسبة 70 في المائة. وأضافت أن تقرير “رويترز للصحافة الرقمية” كشف أن 59 في المائة من مستخدمي الإنترنت عبر العالم تعرضوا لمحتوى مضلل سنة 2023.

وشددت الرغاي على أن تصنيف التضليل الإعلامي كأول خطر عالمي على المدى القريب من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي يعكس حجم التهديد الذي يشكله هذا السلوك الرقمي، ليس فقط على الثقة في المؤسسات، بل أيضاً على التماسك الاجتماعي وسلامة المسارات الانتخابية. واعتبرت أن خطورة الأخبار الزائفة لا تكمن فقط في كونها خاطئة، بل في قدرتها على تعديل السلوكيات وصناعة تصورات جديدة يصعب تفكيكها لاحقاً.

وفي هذا السياق، نبهت عضوة المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري إلى الدور الحاسم الذي تلعبه وسائل الإعلام السمعية البصرية التقليدية في ترسيخ الثقة، محذرة من أن بث معلومة خاطئة عبر وسيلة إعلامية كلاسيكية يجعل عملية تصحيحها أقل تأثيراً، إذ لا تتجاوز نسبة متابعة التصحيح 30 في المائة، بينما تبقى النسخة الأولى، أي الخاطئة، هي الأكثر رسوخاً في الذاكرة الجماعية.

وعلى المستوى الوطني، أشارت الرغاي إلى أن المغرب ليس بمنأى عن تدفق الأخبار الزائفة، مبرزة أن معطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات تظهر أن تطبيقات مثل “واتساب” و”يوتيوب” و”فيسبوك” تشكل مصادر رئيسية للمعلومات غير المتحقق منها لدى فئات واسعة من المواطنين. واعتبرت أن الخوارزميات الرقمية تميل إلى تضخيم المحتوى المثير للغضب والخوف، لأن المنصات تفضل التفاعل على حساب المصداقية.

وفي معرض حديثها عن سبل المواجهة، شددت الرغاي على أن المقاربة الزجرية وحدها أثبتت محدوديتها، معتبرة أن المعالجة الجنائية الخالصة تبقى متأخرة وصعبة التطبيق في الفضاء الرقمي، فضلاً عن ما قد تثيره من تخوفات مرتبطة بحرية التعبير. ودعت في المقابل إلى تعزيز التربية على الإعلام الرقمي، وإلى اضطلاع الإعلام السمعي البصري بدور استباقي، عبر إحداث فقرات قارة مخصصة لتفكيك الأخبار الزائفة وتوضيح آليات اشتغالها.

ومع اقتراب الاستحقاقات التشريعية، أطلقت نرجس الرغاي تحذيراً خاصاً من مخاطر الذكاء الاصطناعي وتقنيات “الديب فايك”، مشيرة إلى معطيات “اليوروبول” التي تفيد بأن 90 في المائة من المحتوى الرقمي قد يكون مولداً أو معدلاً بالذكاء الاصطناعي في أفق 2026، مع تسجيل ارتفاع بنسبة 700 في المائة في استخدام “الديب فايك” في محاولات الاحتيال خلال سنة واحدة فقط.

وختمت الرغاي مداخلتها بالتنبيه إلى أن السؤال المطروح مستقبلاً لن يكون فقط “هل الخبر صحيح؟” بل “هل هو حقيقي أصلاً؟”، مؤكدة أن هذا المستقبل لم يعد بعيداً، بل أصبح واقعاً يفرض على الجميع يقظة جماعية ومسؤولية مشتركة.