من 1988 إلى 2025.. حين يعود الحلم الإفريقي إلى المغرب بوجه جديد

أحداث. أنفو الأحد 14 ديسمبر 2025

بين كأس إفريقيا للأمم 1988 وكأس إفريقيا 2025، يمتد خيط زمني طويل، ليس فقط في عدد السنوات، بل في عمق التحولات التي عرفتها كرة القدم المغربية، ففي 1988، احتضن المغرب البطولة في سياق استثنائي، بعد انسحاب زامبيا لأسباب مالية، ثم اعتذار الجزائر عن التنظيم عقب خلاف مع الاتحاد الإفريقي لكرة القدم. وجد المغرب نفسه فجأة في قلب الحدث القاري، بإمكانات متواضعة، وطموحات كبيرة، وحلم مؤجل منذ تتويج 1976.

آنذاك، دخل “أسود الأطلس” المنافسة بجيل ذهبي قاده لاعبون موهوبون، وتمكنوا من تصدر مجموعتهم الأولى بأربع نقاط، بعد فوز تاريخي على الجزائر بهدف مصطفى الحداوي، وتعادلين أمام زائير وساحل العاج، غير أن الحلم توقف عند محطة نصف النهائي، بعد الهزيمة أمام الكاميرون بهدف متأخر، لتبقى الحسرة عنوان تلك النسخة، ويظل اللقب الإفريقي بعيد المنال.

اليوم، ونحن على أعتاب كأس إفريقيا 2025 بالمغرب، يعود الحدث القاري إلى نفس الأرض، لكن بواقع مختلف كليًا. لم يعد المغرب مجرد بلد منظم يسعى إلى استثمار عامل الأرض والجمهور، بل تحول إلى قوة كروية إقليمية وقارية، لها مشروع واضح المعالم، ونتائج ملموسة على أعلى مستوى.

أبرز ما تغيّر بين الأمس واليوم هو الرؤية، ففي أواخر الثمانينيات، كانت كرة القدم المغربية تعتمد أساسًا على الموهبة الفطرية والتجربة المحلية، مع محدودية في التكوين والبنية التحتية، أما اليوم فقد دخل المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس عصر التخطيط الاستراتيجي، وكان إنشاء أكاديمية محمد السادس لكرة القدم نقطة التحول الكبرى، هذه الأكاديمية التي صنعت نموذجًا احترافيًا في التكوين، أفرز أسماء باتت تنافس في أكبر الدوريات الأوروبية، وأسست لمنتخب وطني متوازن يجمع بين المهارة والانضباط التكتيكي.

على مستوى البنية التحتية، الفارق صارخ، من خلال تشييد ملاعب حديثة بمعايير دولية، مراكز تدريب متطورة، شبكة لوجستية وتنظيمية جعلت من المغرب وجهة مفضلة للاتحاد الإفريقي والدولي على حد سواء، ليصبح تنظيم كأس إفريقيا 2025 في المغرب تتويج لمسار طويل من الاستثمار والثقة، فاق سقفه تنظيم الكان ليبلغ طموحا لا محدودا في التفوق توج بنيل شرف تنظيم المونديال بشراكة مع أعرق المدارس الكروية في العالم، إسبانيا والبرتغال في 2030.

أما المنتخب الوطني، فقد انتقل من طموح بلوغ الدور الثاني ونصف النهائي إلى عقلية المنافسة على الألقاب بثقة، فالوصول التاريخي إلى نصف نهائي كأس العالم 2022 بقطر كان بمثابة إعلان رسمي عن دخول المغرب نادي الكبار، وفوز أشبال المنتخب بكأس العالم 2025 لأقل من 20 سنة أكد قوة الكرة المغربية، بعد أن اصبح أسود الأطلس رمزا للساحرة المستديرة بصيغتها الحديثة، تجمع بين الصلابة الدفاعية، الذكاء التكتيكي، والروح القتالية، مع دعم جماهيري غير مسبوق.

بين 1988 و2025، تغيرت الأدوات، وتطورت، الإمكانيات، لكن الحلم ظل نفسه: رفع الكأس الإفريقية، والفرق الوحيد هو أن حلم الأمس كان رغبة مشروعة، بينما حلم اليوم مشروع واقعي، تدعمه النتائج، والبنية، والتجربة الدولية.

حين تعود كأس إفريقيا إلى المغرب في 2025، فإنها لا تعود إلى بلد يبحث عن مجده الضائع، بل إلى منتخب يسعى لتكريس مكانته، وكتابة فصل جديد من تاريخ بدأ قبل عقود… وتأخر كثيرًا، لكنه اليوم بات أقرب من أي وقت مضى.