يعكس الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا تحوّلًا لافتًا في مقاربة بريتوريا لملف الصحراء المغربية، وهو تحوّل لا يمكن فصله عن الذاكرة التاريخية التي تربط المغرب بجنوب إفريقيا، ولا عن المتغيرات السياسية التي تحكم اليوم مقاربة المجتمع الدولي لهذا النزاع.
وتعود جذور هذه الذاكرة إلى مارس 1962، حين حلّ الزعيم الراحل نيلسون مانديلا بالمغرب في أول محطة خارجية له خلال مسار نضاله ضد نظام الفصل العنصري. آنذاك، استقبلته المملكة، ممثَّلة في الدكتور عبد الكريم الخطيب، وزير الدولة المكلف بالشؤون الإفريقية، ولبّت طلبه بدعم حركة التحرر الجنوب إفريقية، سياسيًا وماليًا وعسكريًا، من خلال توفير الدعم والتدريب لمناضلي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، في خطوة جسّدت مبكرًا التزام المغرب الثابت بقضايا التحرر في القارة.
وبعد أكثر من ستة عقود، تبدو جنوب إفريقيا وكأنها تعود إلى منطق التاريخ والواقعية السياسية معًا. فقد أقرّ الرئيس رامافوزا بأن قرارات مجلس الأمن الدولي، ولا سيما القرار 2797، تدعم مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الواقعي الوحيد القابل للتطبيق، متجاوزًا عمليًا أطروحة الاستفتاء التي ظلّت تُستَخدم لسنوات كورقة سياسية، رغم تراجعها على المستوى الدولي وفقدانها لأي أفق عملي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
ولا يُنظر إلى هذا التصريح بوصفه موقفًا عابرًا أو زلّة لسان دبلوماسية، بل كمؤشر على نهاية مرحلة وبداية أخرى، عنوانها تغليب الحلول الواقعية والبحث عن تسويات سياسية مستدامة، بدل الارتهان لخيارات ثبت عجزها عن إنهاء النزاع.
ويعكس هذا التحوّل، في المقابل، متانة الدبلوماسية المغربية التي حافظت على ثباتها الاستراتيجي، من دعم حركات التحرر الإفريقية في الماضي، إلى ترسيخ مقاربة سياسية عملية في الحاضر، تحت قيادة الملك محمد السادس. كما أن اقتراب جنوب إفريقيا، التي طالما اعتُبرت من أبرز داعمي أطروحة جبهة البوليساريو، من منطق الحكم الذاتي، يرسّخ حقيقة مفادها أن قوة الحجة، إلى جانب الهدوء والعمل الدبلوماسي المتراكم، باتت تفرض نفسها في هذا الملف.
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن قضية الصحراء، تدخل مرحلة جديدة، يُحسم فيها المستقبل بمنطق الحل الواقعي القابل للتنفيذ، لا بمنطق الأوهام المؤجلة أو الرهانات المتجاوزة.